استراتيجية الاستثمار والأزمة الاقتصادية
ما بين الاستثمار والتنمية علاقة وطيدة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والمجتمعية، وما بين خلق بيئة ملائمة للاستثمار وخطة التنمية رباط مقدس لتحقيق النجاح أو الأزمة، وهنا يكون دور الإدارة الحكومية بكل أبعادها التنفيذية والسياسية حاسم..
والمتابع للمسألة الاقتصادية وقضايا التنمية منذ بداية سنوات الإصلاح الاقتصادى والخروج من عنق الزجاجة، والتى بدأت في عام 1990 كان التحدى الرئيسى أمام الدولة لتنفيذ استراتيجيتها التنموية، هو التكلفة وتوزيع الأدوار بين قطاعات التنفيذ عامة وخاصة..
وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من بداية تنفيذ الإصلاح الاقتصادى سجلت الحكومات المتتابعة نجاحات في مراحل واخفاقات متعددة في مراحل أخرى محورها الرئيسى هو من يتحمل العبء الرئيسي للتكلفة الاستثمارية؟ هل هو القطاع الحكومى وميزانية الدولة المحملة بأعباء اجتماعية ومصروفات حتمية لا تتيح أى فوائض للإستثمار إلا عبر الاقتراض المحلى والخارجي؟ أم يكون القطاع الخاص بشقيه الوطنى والخارجى (عربى وأجنبي) هو فرس الرهان؟!
الحقيقة أنه ومنذ سنوات الإصلاح الأولى راهنت الحكومات المتتابعة على تكليف القطاع الخاص بالنصيب الأكبر لتنفيذ خطط وبرامج التنمية، وبنسبة قدرتها بنحو 75% من التكلفة الاستثمارية، والحقيقة أيضا أن القطاع الخاص على مدى تلك الفترة سجل نجاحات كبيرة بنصيب تخطى 60% من تكلفة مشروعات التنمية خاصة الانتاجية، صناعية وخدمية وزراعية أيضا..
وذلك بدوافع تشجيع حكومية شملت حوافز استثمارية متنوعة من دون أن تخلو من عوائق إدارية سواء على مستوى العجز الحكومي عن سد ثغرات نشأت في الطريق لتحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادى، أبرزها نمو ظاهرة الاحتكار واختلال قواعد المنافسة العادلة في القطاعين الإنتاجي والتجاري، وكذا ظاهرة الفساد الإداري، وأيضا القصور الشديد في مواجهة ظاهرة تزاوج السلطة والمال فى مرحلة تالية..
ثم حلت الكارثة على الإقتصاد الوطنى عام 2011 مع أحداث ثورة يناير ودخول البلاد في الأزمة الاقتصادية والإنتاجية الكارثية سواء على مستوى توقف خطوط الإنتاج جزئيا أو كليا في نحو 17 ألف منشأة صناعية وانهيار القطاع السياحى وبداية هروب الاستثمار والأموال إلى الخارج، والدخول في مرحلة أنا سميتها (مرحلة الشك والريبة) السياسية والاقتصادية، تبعها إضراب حاد ومتصاعد في سوق النقد المحلي أسفر عن إنهيار حاد في القيمة الشرائية للعملة المحلية وأيضا في البنية الاساسية والتحتية..
مما فرض على مؤسسات الدولة القوية تحمل أعباء المرحلة اقتصاديا ومجتمعيا، وفرض قواعد استثنائية لإدارة الاقتصاد الوطني بما يحقق درجة مناسبة من الأمن الاجتماعى لتخطى المرحلة.. الآن وبعد أن استعادت الحياة الاقتصادية في البلاد استقرارها مدعومة بنجاحات غير مسبوقة في مجال تطور وتحسن كبير في البنية التحتية والاساسية والعمرانية كأحد المقومات الأساسية لجذب الاستثمار..
آن الأوان للتخلص من قواعد إدارة الاقتصاد الوطنى بضوابط وقواعد فترة (الريبة والشك)، والعمل بقوة على مسارات يعلمها الجميع لاستعادة الحياة الاقتصادية الطبيعية وقواعد المنافسة الاستثمارية الشفافة والعادلة، بين مختلف قطاعاتنا الاقتصادية الحكومية والتعاونية والخاصة..
ومنح القطاع الخاص بشقيه محلى وخارجى دوره الرئيسى لتنفيذ النصيب الأكبر من مشروعات خطط وبرامج التنمية والتى تجاوزت تكلفتها فى السنة المالية الحالية 2 تريليون جنيه، وبما يتطلبه الأمر من استراتيجية تشريعية جديدة وإدارة بقواعد الحوكمة الرشيدة..
وكذا تطبيق ضوابط حاكمة لتفعيل أجهزة الرقابة على الأسواق وفق القواعد العالمية المتعارف عليها لمنع الاحتكار وحماية المنافسة العادلة على كل مستويات وقطاعات المال والأعمال، ولتعود الدولة لتحمل دورها التنموي الاجتماعي لتحسين مرافق الخدمة العامة، وعلى رأسها استثمارات الخدمات التعليمية والصحية والتى تعانى منذ سنوات العجز والنسيان.