انكماش القدرة الشرائية وأوهام جذب الاستثمارات
شكلت القدرات الشرائية في السوق المحلي أهم عناصر جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية خلال الثلاثون عاما الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي بدأ عام 1991 بعدد سكان لم يكن يتجاوز 60 مليون نسمة فقط..
الآن وبعد أن تجاوز عدد السكان نحو 110 مليون نسمة أصبحت القدرة الشرائية أهم عائق أمام جهود جذب الاستثمارات الجديدة، سواء كانت استثمارات وطنية أو عربية أو أجنبية، في ظل التراجع الحاد للقدرات الشرائية للمواطنين مع موجات الغلاء وجنون الأسعار المستمر خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة..
ومما ضاعف من تآكل القدرات الشرائية في السوق المحلية ليس فقط ظاهرة ارتفاعات الأسعار المتتالية، على مستوى السلع وجميع الخدمات العامة، أيضا إرتفاع تكلفة الأعباء المعيشية على المواطنين من سكن وملبس وكهرباء ومياه وخدمات علاجية وتعليمية ونقل ومواصلات وخلافه بصورة تنافس بقوة جنون الأسعار في أسواق السلع بأنواعها استهلاكية أو خدمية..
والنتيجة الحتمية هي انسحاب نسبة كبيرة من المواطنين من أسواق العديد من السلع، وتضاعف معدلات الركود في أسواق مختلف السلع المعمرة بصفة خاصة وأيضا السلع الاستهلاكية بصفة عامة.. والمؤكد تنامى حالة الركود في الأسواق المحلية وإنهيار القدرة الشرائية للمواطنين يشكل أحد أهم العناصر الثلاث الطاردة للاستثمار للبيئة الملائمة للاستثمار، إلى جانب معوقات الحصول على تراخيص الأرض وعدم وضوح المعاملة الضريبية للمشروعات..
خاصة في ظل إعتماد معظم المشروعات الاستثمارية التى أقيمت في بلادنا خلال سنوات الإصلاح الاقتصادى الماضية على ترويج منتجاتها وبنسبة تزيد عن 80% من طاقتها في السوق المحلي، على الأقل في سنوات تشغيلها الأولى، وبصفة أساسية على مستوى المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تعد العماد الأساسي لمشروعات المناطق الصناعية المشيدة في القاهرة الكبرى والأقاليم.
وفي ظل التراجع الحاد والملحوظ للقوة الشرائية في السوق المحلية تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر المضارين، مما يفسر أولا إغلاق الآلاف من تلك المشروعات على مستوى أكثر من 35 منطقة صناعية جديدة تم إنشاؤها في مدن محافظات الأقاليم المختلفة..
إضافة الى إحجام الفئات التى كانت مستهدفة سواء لاقامة توسعات استثمارية جديدة أو الدخول إلى أبواب الاستثمار في الك المشروعات، ولو من باب التجارة والأنشطة الخدمية، وهم يرون خسائر المشروعات السابقة وتضخم مشاكلها التسويقية، في ظل تجاهل أجهزة الدولة لمشاكلها والتنظيمات الأهلية الراعية للنشاط أيضا، وسنوات طويلة غاب خلالها حديث رشيد، وتواصل فعال للاستماع لمشاكل سوق الاستثمارات المحلية بانشطتها المتعددة..
بل ضاعفنا من العقبات أمامهم سواء بالتعديلات المتكررة وغير المدروسة خلال وقت قصير وقياسى، سواء على مستوى اللوائح التنظيمية لتأسيس المشروعات واستخراج التراخيص، أو على مستوى المعاملة الضريبية حيث تفاقمت أعبائها..
فضلا عن عدم وضوح الالتزامات الضريبية المقررة على تلك المشروعات في ظل خضوع المشروعات لنحو خمس تشريعات مختلفة ومتباينة في أسعار الضريبة خلال فترة ضريبية واحدة، الأمر الذي يجعله أهم أسباب إحجام المستثمر حاليا عن ضخ استثمارات جديدة والبحث عن فرص اسستثمارية في دول مجاورة..
إذن أي تفكير من الحكومة في تحسين بيئة الاستثمار المحلي بعد سنوات من التجاهل والإهمال أو الارتباك فلابد أن يبدأ من البحث عن حلول عملية لتصحيح أوضاع المعاملات الضريبية وتحقيق الوضوح والشفافية والاستقرار في الالتزامات الضريبية، ومن قبلها إعادة الروح للقوة الشرائية في السوق وإلا استمرار الركود والأزمة بل الأزمات.