شباب حول الرسول، الأرقم صاحب أول دار لنشر الإسلام وأول كاتب للوحي
مثلما أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، كان هناك فتية آمنوا بربهم، وجهروا بالإسلام وهم حديثو السن، بعضهم لم يناهز الصبا، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من أصنام، وأوثان، وأدران، تخبَّط فيها آباؤهم وأمهاتهم.
تربوا على مراقبة تصرفات النبي، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، ولم يرضخوا لضغوطات الأهل، والقبيلة، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شباب حول الرسول".
في هذه الحلقة، نتناول تفاصيل حياة صحابي، أسلم وعمره يناهز السادسة عشرة.. إنه الأرقم بن أبي الأرقم، ذلك الفتى المخزومي، شديد الثراء والذكاء والحكمة، الذي اتخذ النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، من داره مكانا للاجتماع بالمسلمين الأوائل، وكان أول كاتب للوحي في الإسلام.
أسلم على يد أبي بكر الصديق وأصبح صاحب أول دار لنشر الإسلام على وجه الأرض.. كان من أشد شبان قريش ثراء، وأكثرهم رفاهية.
أشهده الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، على واقعة شق القمر، وهاجر من مكة إلى المدينة، وشارك في غزوة بدر الكبرى، وكل الغزوات مع النبي الخلفاء الراشدين وتوفي عام 55 هجرية.
دار الأرقم بن أبي الأرقم، أشهر دار في الإسلام، لا يكاد يوجد مسلم لا يعرفها.. ففيها أعلنت كلمة التوحيد، وأقيمت أول صلاة للمسلمين على وجه الأرض، وكانت مقرا لاجتماعات رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بالصحابة الأوائل، في فجر الدعوة، وقت أن كانت سرًّا.
لكن من يعرف من هو صاحب الدار؛ الأرقم بن أبي الأرقم؟ ومتى أسلم؟ ولماذا اختار رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، داره لتكون أول مركز للمسلمين على وجه الأرض؟
هو أبو عبد الله الأرقم بن أبي الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي من بني مخزوم.
أسلم الأرقم وهو ابن 16 عامًا
أسلم الأرقم رضي الله عنه، ولم تجاوز سنه الـ 16 عامًا على يد الصديق أبو بكر، وقيل إنه كان سابع من أسلموا، وقيل بل كان العاشر بين المسلمين. فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: خرج أبو بكر يريد رسول الله، وكان صديقا للنبي في الجاهلية، فلقيه فقال: يا أبا القاسم.. فُـقِـدتَ من مجالس قومك، واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها، فقال رسول الله: إني رسول الله أدعوك إلى الله عز وجل، فلما فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من كلامه أسلم أبو بكر، فانطلق عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما بين الأخشبين أحدٌ أكثر سرورًا منه بإسلام أبي بكر.
اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، خباب بن الأرت أول من جهر بإسلامه
ومضى أبو بكر وراح لعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص فأسلموا، ثم جاء الغد عثمان بن مظعون، وأبا عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وأبا سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، فأسلموا رضي الله عنهم.
وكان فتى قريش الثري المرفه يتدفقُ شبابا ووسامة، كما انه أحد أبناء بني مخزوم أصحاب السلطة والمال والمكانة التي تحمل لواء الحرب في قريش، والتي عُرفت، قبل أن يهديهم الله إلى الإِسلام، بشدة عداوتها للنبي. ولذا لم يخطر ببال أحدٍ في قريش، أن يدخل هذا الفتى المخزومي الثري، في دين محمد.
وكان رضي الله عنه ذكيا حكيما، كتم إسلامه، ولم يخبر حتى أقرب الأقارب. وكانت داره على جبل الصفا في منطقة هادئة بالقرب من الكعبة المشرفة، لا يسكنها سوى أثرياء قريش، وبالتالي فهي بمعزلٍ عن المتربصين بالمسلمين في مكة، ولا تخطر على بال أحدٍ من المشركين.
دار الأرقم مقرًا للدعوة
اختار النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، دار الأرقم لتكون مقرًا للدعوة لهذه الأسباب، فضلًا عن أن الأرقم، رضي الله عنه، كان صغيرا، وولن يخطر ببال أحد المشركين أن النبي والمسلمين الأوائل يتجمعون في بيت فتى صغير، ولن تبحث قريش في بيوت الصبيان عن النبي وأصحابه، وكان من قبيلة بني مخزوم، العدو التاريخي لـ "بني هاشم" التي ينتمي إليها النبي، صلى الله عليه وآله وسلم.
الأرقم كان شديد الذكاء، وأوتي من الحكمة قدرا وافرا، وكان يجيد القراءة والكتابة فوثق فيه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فأسند إليه مهمة القيام على حلقات العلم والتثقيف والذكر وقراءة القرآن الكريم التي كانت تدار في داره لسبقه في الإسلام وعدم انقطاعه عن مجلس الرسول صلوات الله وتسليماته عليه، وإتقانه التلاوة والعلم بملابسات الأحوال التي نزلت النصوص فيها، والفهم لمعاني القرآن وألفاظه والمعرفة بمفاهيم الإسلام وشرائعه.
أول كاتب للوحي في تاريخ الإسلام
وكان الفتى رفيع الشأن من كتبة الوحي، بل هو أول كاتب للوحي في تاريخ الإسلام، كما أجمع المؤرخون، ومن المؤكد أن جميع الآيات القرآنية التي نزلت على النبي خلال الثلاث سنوات الأولى من بداية الدعوة، والتي كانت تتداول سرًا بين المسلمين، كُتبت كلها في دار الأرقم، ومعظمها كان بخط يد الأرقم، ومنها الصحيفة الشهيرة التي كانت بها آيات من سورة "طه" التي أسلم بسببها الفاروق عمر بن الخطاب، وبه اكتمل عدد المسلمين 40 رجلًا، فصدر الأمر الإلهي للنبي، صلى الله عليه وسلم، للجهر بالدعوة.
وروى الطبري عن عبد الله بن عبيدة قال: “مازال النبيّ مستخفيا حتى نزلت ”فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ"، فخرج هو وأصحابه. وانتظم المسلمون في صفين وساروا بثقةٍ وثباتٍ، فكان على رأس الصف الأول عمر بن الخطاب وعلى رأس الصف الثاني حمزة بن عبد المطلب، وبينهما الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهم يهتفون: الله أكبر ولله الحمد، ويطوفون بالبيت علانيةً، فتهتز مكة، وتتزلزل قلوب المشركين.
ومن وقتها بدأ نشر الإسلام علانية، يعد أن استمرت الدعوة سرًّا ثلاثة أعوام.
شاهد على شق القمر
ويروى أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، استشهده على واقعة شق القمر، فيما أخرجه الحافظ أبو نعيم عن ابن عباس في قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر) سورة القمر، وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاص بن وائل، وغيرهم من عتاة الكُفر، فقالوا للنبي، صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقـًا، فشق لنا القمر فرقتين، نصفًا على جبل أبي قبيس ونصفًا على قعيقعان، فقال لهم النبي، صلى الله عليه وسلم: “إن فعلتُ هل تؤمنون؟”، قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل الله عز وجل أن يعطيه ما سألوا، فأمسى القمر نصفًا على هذا الجبل ونصفا على ذاك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: "يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن الأرقم اشهدا".
هاجر الأرقم، رضي الله عنه، إِلى المدينة المنورة وأقام في حيّ بني زريق، وعُرف بيته أيضًا هناك بدار الأرقم، وقد آخى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين أبي طلحة زيد بن سهل، وكان سعد بن أبي وقاص صديقـًا حميمًا له.
شهدَ الأرقم غزوة بدر، وأحد، والخندق، والغزوات كلها، ولم يتخلف عن الجهاد، وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم دارًا بالمدينة في بني زريق، واستعمله على الصدقة.
وذات يوم تجهز الأرقم وأرادَ الخروج إلى بيتِ المقدس، فلما فرغَ من التجهيز والإعداد، جاءَ إلى النبي يودّعهُ، فقالَ لهُ رسول الله: "ما يخرجكَ يا أبا عبد الله، أحاجة أم تجارة؟"، فقالَ لهُ الأرقم: يا رسول الله! بأبي أنت وأمى، إني أريد الصلاة في بيتِ المقدس، فقال لهُ رسول الله: "صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألفِ صلاة فيما سواه إلا المسجدِ الحرام"، فجلس الأرقم، وعادَ إلى دارهِ مطيعًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومُنفّـذًا لأوامره.
ظل الأرقم رضي الله عنه على عهده وجهاده في سبيل الله، بعد انتقال النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى جوار خليله، وشارك في جميع المعارك والفتوحات التي وقعت في عهد الخلفاء الراشدين، باحثا عن الشهادة، لا يبخل بماله ولا نفسه.
وفاته
ولما استشعر قرب أجله في عهد معاوية، أوصى بأن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، ومات سنة 55هـ، وهو ابن 83 سنة، وكان سعد غائبًا عن المدينة آنذاك، فأراد مروان بن الحكم أمير المدينة آنذاك، أن يصلي عليه، فرفض ابنه عبيد الله بن الأرقم، فقال مروان: أيُحبس صاحب رسول الله لرجلٍ غائب؟ وأصر الابن البار على تنفيذ وصيه أبيه، رضي الله عنه، وأيده بنو مخزوم في ذلك، حتى جاء سعد، وصلى عليه، ودفن، رضي الله عنه، في البقيع.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.