رئيس التحرير
عصام كامل

شباب حول الرسول، خباب بن الأرت أول من جهر بإسلامه

الصحابي الشاب، خباب
الصحابي الشاب، خباب بن الأرت أول من جهر بإسلامه، فيتو

مثلما أحاط بـ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، كان هناك فتية آمنوا بربهم، وجهروا بالإسلام وهم حديثو السن، بعضهم لم يناهز الصبا، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من أصنام، وأوثان، وأدران، تخبَّط فيها آباؤهم وأمهاتهم.

تربوا على مراقبة تصرفات النبي، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.

كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، ولم يرضخوا لضغوطات الأهل، والقبيلة، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.

إنهم "شباب حول الرسول".

في هذه الحلقة، نتناول تفاصيل حياة وإسلام الصحابي الشاب خباب بن الأرت، الذي كان سادس الرجال إسلاما، وأول من جهر بإسلامه في مكة، وصبر على الأذى والتعذيب واحتسب، فنال الجزاء الأوفى.

دعا له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "اللهم انصر خبابا". 

 خبّاب بن الأرت

هو خبّاب بن الأرت بن جندلة التَّميمي، وكنيته أبو يحيى، وقيل: أبو عبد الله، صحابي من السابقين إلى الإسلام، فأسلم سادس ستة، وهو أول من أظهر إسلامه، وكان قد سُبيَ في الجاهلية، فبيع في مكة ثم حالف بني زُهرة، وأسلم وكان من المستضعفين.

كان خباب سيًّافًا، يصنع السيوف ويبيعها لقريش، وفي يوم إسلامه جاء إلى عمله، وكان هناك نفر ينتظرون فسألوه: "هل أتممت صنع السيوف يا خباب ؟". فقال وهو يناجي نفسه: "إن أمره لعجب".. فسألوه: "أي أمر؟".. فيقول: "هل رأيتموه؟ وهل سمعتم كلامه؟". وحينها صرح بما في نفسه: "أجل رأيته وسمعته، رأيت الحق يتفجر من جوانبه، والنور يتلألأ بين ثناياه".. وفهم القرشيون فصاح أحدهم: "من هذا الذي تتحدث عنه يا عبد أم أنمار ؟".. فأجاب: "ومن سواه يا أخا العرب، من سواه في قومك يتفجر من جوانبه الحق، ويخرج النور من بين ثناياه؟".. فهب آخر مذعورا قائلا: "أراك تعني محمدا". وهز خباب رأسه قائلا: "نعم إنه هو رسول الله إلينا ليخرجنا من الظلمات إلى النور".

كلمات أفاق بعدها خباب من غيبوبته وجسمه وعظامه تعاني رضوضا وآلاما، ودمه ينزف من جسده، فكانت هذه هي البداية لعذاب وآلام جديدة قادمة.

صبر خباب، ولم يلن بأيدي الكفار، على الرغم من أنهم كانوا يذيقونه أشد ألوان العذاب، فقد حولوا الحديد الذي بمنزله الى سلاسل وقيود يحمونها بالنار ويلفون جسده بها، ولكنه صبر واحتسب، فها هو يحدث: "شكونا الى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد ببرد له في ظل الكعبة، فقلنا: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟!.. فجلس، صلى الله عليه وسلم، وقد احمر وجهه، وقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ منهم الرجل فيحفر له في الأرض، ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون".. وبعد أن سمع خباب ورفاقه هذه الكلمات، ازدادوا إيمانا وإصرارا على الصبر والتضحية.

قصاص الله من الكافرة

واستدعى الكفار أم أنمار، السيدة التي كان خباب، رضي الله عنه،عبدا لها قبل أن تعتقه، فأقبلت تأخذ الحديد المحمى وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، ولكنه يكظم أنفاسه حتى لايرضي غرور جلاديه، ومر به الرسول، -صلى الله عليه وسلم، والحديد المحمى فوق رأسه، فانتفض فؤاده رحمة وأسى، ولكن ماذا يملك أن يفعل له غير أن يثبته ويدعو له: "اللهم انصر خبابا".. وبعد أيام قليلة نزل بأم أنمار قصاص عاجل، حيث أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها -كما يقولون- تعوي مثل الكلاب، وكان علاجها أن يكوى رأسها بالنار !!.

لم يكتف، رضي الله عنه، في الأيام الأولى بالعبادة والصلاة، بل كان يقصد بيوت المسلمين الذين يكتمون إسلامهم خوفا من المشركين، فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم إياه، فقد نبغ الخباب بدراسة القرآن آية آية، حتى اعتبره الكثيرون، ومنهم عبدالله بن مسعود، مرجعا للقرآن حفظا ودراسة، وهو الذي كان يعلم القرآن لفاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الإسلام ورسوله لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته الشهيرة: "دلوني على محمد".

وسمع خباب كلمات عمر، فخرج من مخبئه وصاح: "يا عمر؛ والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، صلى الله عليه وسلم، فإني سمعته بالأمس يقول: "اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك؛ أبي الحكم بن هشام، وعمر بن الخطاب"، فسأله عمر من فوره: "وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟". وأجاب خباب: "عند الصفا في دار الأرقم بن أبي الأرقم". فمضى عمر من فوره، حيث بدأت مسيرته مع الإسلام.

قصته مع العاص بن وائل

كان خباب رجلًا قَيْنًا، وكان له على العاص بن وائل دَيْنٌ، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: "لن أقضيَكَ حتى تكفر بمحمد". فقال خباب: "لن أكفر به حتى تموتَ ثم تُبْعَثَ". قال العاص: "إني لمبعوث من بعد الموت ؟! فسوف أقضيكَ إذا رجعتُ إلى مالٍ وولدٍ ؟!". فنزلت الآية الكريمة: "أفَرَأيْتَ الذَي كَفَرَ بِآياتنا وقال لأوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، أَطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَّخَذَ عند الرحمنِ عَهْدًا، كلاّ سَنَكتُبُ ما يقول ونَمُدُّ له من العذاب مَدّا، ونَرِثُهُ ما يقولُ ويَأتينا فردًا". 

شهد خباب بن الأرت جميع الغزوات مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعاش عمره مستمسكا بإيمانه.. يقول خباب: "لقد رأيتني مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أملك دينارًا ولا درهمًا، وإنّ في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف وافٍ، ولقد خشيت الله أن تكون قد عُجّلتْ لنا طيّباتنا في حياتنا الدنيا".

عندما فاض بيت مال المسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان لخباب راتب كبير بوصفه من المهاجرين السابقين إلى الإسلام، فبنى دارًا بالكوفة، وكان يضع ماله في مكان من البيت يعلمه أصحابه ورواده، وكل من احتاج يذهب ويأخذ منه.

قال له بعض عواده وهو في مرض الموت: "أبشر يا أبا عبدالله، فإنك ملاق إخوانك غدا". فأجابهم وهو يبكي: "أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكرتموني أقوامًا، وإخوانًا مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئا، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعًا إلا التراب".

وأشار الى داره المتواضعة التي بناها، ثم أشار الى المكان الذي فيه أمواله، وقال: "والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها عن سائل". ثم التفت إلى كفنه الذي كان قد أعد له، وكان يراه ترفا وإسرافا، وقال ودموعه تسيل: "انظروا هذا كفني، لكن حمزة عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يوجد له كفن يوم استشهد إلا بردة ملحاء، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه.

وفاته

ومات، رضي اللـه عنه، في السنة السابعة والثلاثين للهجرة. وكان ممن يكرمهم الرسـول، صلى اللـه عليه وسلم، ويفرش لهم رداءه، ويقول: "أهلًا بمن أوصاني بهم ربي".. وهو أول من دُفِنَ بظهر الكوفة من الصحابة.

قال زيد بن وهب: "سِرْنا مع علي حين رجع من صفّين، حتى إذا كان عند باب الكوفة إذْ نحن بقبور سبعة عن أيماننا، فقال: "ما هذه القبور ؟". فقالوا: "يا أمير المؤمنين إنّ خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك إلى صفين، فأوصى أن يدفن في ظاهر الكوفة، وكان الناس إنّما يدفنون موتاهم في أفنيتهم، وعلى أبواب دورهم، فلمّا رأوا خبابًا أوصى أن يدفن بالظهر، دفن الناس". فقال علي بن أبي طالب: "رحم الله خبابًا أسلم راغبًا وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلي في جسمه، ولن يضيعَ الله أجرَ مَنْ أحسنَ عملًا".

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية.

الجريدة الرسمية