شباب حول الرسول، عبد الله بن عمر "الفقيه الزاهد"
مثلما أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، كان هناك فتية آمنوا بربهم، وجهروا بالإسلام وهم حديثو السن، بعضهم لم يناهز الصبا، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من أصنام، وأوثان، وأدران، تخبَّط فيها آباؤهم وأمهاتهم.
تربوا على مراقبة تصرفات النبي، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، ولم يرضخوا لضغوطات الأهل، والقبيلة، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شباب حول الرسول".
في هذه الحلقة، نتناول تفاصيل حياة الصحابي الشاب عبد الله بن عمر بن الخطاب، الفقيه العالم، والإمام القدوة، شيخ الإسلام الزاهد.
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل، القرشي العدوي، ولد بمكة في السنة الثالثة من بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، (10 سنوات قبل الهجرة) يكنى أبا عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون.. أسلم صغيرا، وهاجر إلى المدينة مع أبيه وهو ابن إحدى عشرة سنة.
اشتهر ابن عمر بحرصه على اتباع سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والتأسي به. وكان يحضر مجالس رسول الله، ويسأل من حضر إذا غاب عنها.
طلب من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المشاركة في يوم بدر ثم في يوم أُحد فاستصغره، وأجازه يوم الخندق، وهو يومئذٍ ابن خمس عشرة سَنَةٍ، فشهد الخندق وما بعده مع رسول الله، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وشهد بعدها اليرموك وشمال أفريقيا، وشهد ابن عمر فتح مصر، واختط بها.
رواية الأحاديث الشريفة
روى عن النبي، صلَى الله عليه وسلم، 2630 حدِيثا.
وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي ذر ومعاذ وعائشة وغيرهم. وروى عنه كثيرون، منهم: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وأولاده سالم وعبد الله وحمزة وبلال، ومولاه نافع، وأسلَم مولى عمر، وابن أخيه حفص بن عامر.
وروى عنه من كبار التابعين؛ سعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص، وأبو عبد الرحمن النهدي، ومسروق، وجبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وروى عنه ممن بعدهم: عبد الله بن دينار، وزيد وخالد ابنا أسلم، وعروة بن الزبير، وبشر بن سعيد، وعطاء، ومجاهد، ومحمد بن سيرين، وغيرهم.
وعرف ابن عمر بالزهد والتقوى والعبادة، وشهد له رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “نعم الرجل عبد الله ”، وفي رواية ”إن عبدالله رجل صالح“.
وكان شديد التواضع والتسامح والرحمة والكرم، يُكثر التصدق بما يشتهيه من الطعام، ويتقرب إلى الله بما يعجبه من ماله، أتته في ليلة عشرة آلاف درهم، ما بات حتى وزعها.
وكان في مجلس فجاءته بضعة وعشرين ألفًا فما قام من مجلسه حتى فرَّقَها وزاد عليها، وقد ينفد ما معه فيستدين ليعطي ذوي الحاجات. وكان لا يأكل طعامًا إلا على مائدته يتيم، وما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو يزيد.
رشحه بعض الصحابة للخلافة بعد أبيه، فرفض عمر وجعلها شورى بين الستة، فوقف عبد الله بن عمر بعيدا عن جميع الفتن.
ثم عُرضت الخلافة عليه أكثر من مرة، لكنه زهد فيها، فقد عُرضت عليه البيعة بعد مقتل عثمان بن عفان لكنه رفض، وقال: "إني والله لئن استطعت، لا يُهرَاق بسببي مِحْجَمَة من دم".
ثم عُرضت عليه وهو شيخ مُسن بعد أن ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة فرد بالقول: "والله ما أحب أنها تكون لي سبعين عاما، ويقتل بسببي رجل واحد".
وتفرغ للعلم والعبادة. لذلك كان من المكثرين من الرواية، وساعده على هذا تقدم إسلامه، وطول عمره، ومخالطته للنبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانت أخته حفصة زوجة رسول الله، فسهل عليه دخوله وخروجه على النبي، والتلقي عنه.
ويحكى أنه كان مريضًا فقال لأهله: أني أشتهي أن آكل سمكًا فأخذ الناس يبحثون له عن سمك فلم يجدوا إلا سمكة واحدة بعد تعب شديد، فأخذتها زوجته صفية بنت أبي عبيدة فأعدتها، ثم وضعتها أمامه فإذا بمسكين يطرق الباب، فقال له ابن عمر: خذ هذه السمكة، فقال أهله: سبحان الله قد أتْعَبتنا حتى حصلنا عليها، وتريد أن تعطيها للمسكين؟ كلْ أنت السمكة وسنعطي له درهما فهو أنفع له يشتري به ما يريد. فقال ابن عمر: لا أريد أن أحقق رغبتي وأقضي شهوتي، إنني أحببت هذه السمكة فأنا أعطيها المسكين إنفاقًا لِمَا أُحِبُّ في سبيل الله.
والمتتبع لسيرة عبد الله بن عمر، الذى وصفه الإمام الذهبى بـ"الإمام القدوة"، سيجد أن ما سبق لا يعدو أن يكون نقطة فى بحار حكمته، فلم يشارك فى أي فتنة، ورفض أن يرفع سيفا على مسلم أو يشارك فى إراقة قطرة من دماء، فاعتزل الفتنة الكبرى بين علي، كرم الله وجه، ومعاوية، وكَانَ يسلم عَلَى الخشبية والخوارج وهم يقتتلون.
وقَالَ: من قَالَ: "حي عَلَى الصلاة" أجبته، من قَالَ: "حي عَلَى الفلاح" أجبته، ومن قَالَ: "حي عَلَى قتل أخيك الْمُسْلِم وأخذ ماله، قُلتُ: لا.
وحاول منع الإمام الحسين، رضى الله عنه وأرضاه، من الخروج إلى العراق، فلحق به مسيرة ثلاث ليالٍ، محاولا إثناءه عن ذلك، ولما رأى عزمه على الرحيل اعتنقه وبكى، وقال له: “أستودعك الله من قتيل”.
وجاء فى "الطبقات الكبرى"، أنه لما حدثت بوادر الفتنة بين أهل المدينة ويزيد بن معاوية، وهى الفتنة التى أدت إلى استباحة المدينة فيما سُمى بوقعة الحِرة، جمع ابن عمر بنيه ونهاهم عن الخروج على يزيد، وكان مما قال لهم: "فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يُسرعنَّ أحد منكم في هذا الأمر فتكون الصيلم (القطيعة) بيني وبينه".
واعتزل فتنة عبد الله بن الزبير والحجاج، وصلى وراء الحجاج المعروف بظلمه، ففي سنن البيهقى: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اعْتَزَلَ بِمِنًى فِى قِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَجَّاجُ بِمِنًى، فَصَلَّى مَعَ الْحَجَّاجِ.
شجاعته أمام الحجاج
استمر الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا على مكة بعد مقتل ابن الزبير، وكان عبد الله بن عمر يترك المدينة ويأتي مكة حاجًا أو معتمرًا، ويرى أو يسمع من أفعال الحجاج وأقواله المخالفة للشرع، فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويرد عليه بكل جرأة وشجاعة.
وبعدما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير، ودانت له السيطرة على مكة خطب الناس، وكان مما قال: إن ابن الزبير حرَّف كتاب الله، وفي رواية غيَّر كتاب الله، فقام ابن عمر وقال: كذبت كذبت كذبت, ما يستطيع ذلك، ولا أنت معه.
وخطب الحجاج الناس يوم الجمعة، فأطال حتى كاد يذهب وقت الصلاة، فقام ابن عمر: فقال: أيها الناس, قوموا إلى صلاتكم، فقام الناس، فنزل الحجاج فصلى، فلما انصرف قال لابن عمر ما حملك على ذلك؟ فقال: إنما نجيء للصلاة فصلِّ الصلاة لوقتها، ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة.
كما أنكر ابن عمر على الحجاج تهاونه في انتشار حمل السلاح في مكة، وتركه لرجال جيشه يضايقون به المسلمين ويعرضون حياتهم بذلك للخطر، ففي الصحيح عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فالتصقت قدمه بالركاب، فنزلتُ فنزعتها، وكان ذلك بمنى, فبلغ الحجاج فزاره، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك! فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟ قال ابن عمر: حملتَ السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم.
وفي رواية أخرى قال: دخل الحجاج على ابن عمر، فسأل: كيف هو؟ فقال: صالح. فقال الحجاج لعبد الله: ما أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله؛ يعني الحجاج.
ولما خرج الحجاج قال ابنُ عمر: ما آسى (لا أحزن) على شيء من هذه الدنيا إلا على ثلاث، وذكر منها: ألا أكون قاتلتُ هذه الفئة الباغية التي حلت بنا، يقول الذهبي في تعليقه: "يعني بالفئة الباغية الحجاج".
وفاته
توفى عبدالله بن عمر، رضي الله عنه، بمكة بعد أن انتهى من الحج، سنة ثلاث وسبعين عن أربعة وثمانين عاما.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية.