الدعم فى الموازنة.. معركة على كل قرش، يسرى الشرقاوي: دعم السلع الغذائية أمن قومي، ووليد جاب الله: يجب إنشاء كيان حكومى لإدارة الملف بحذر
تكثف الحكومة خلال الفترة الحالية من جهودها لدراسة كافة السيناريوهات، لإعادة هيكلة منظومة الدعم بما يضمن وصول الدعم إلى مستحقيه وعدم إهدار حق الدولة، وهذه الدراسات تشمل كافة أوجه الدعم التى تقدم من الدولة للمواطنين، وليس السلع التموينية والخبز فقط، وتتشابك مسارات الدعم بين الدعم النقدي، أو الدعم العيني، أو الخلط بينهما، وتحتاج منظومة الدعم إلى التطوير المُستمر بما يتناسب مع تطورات النشاط الاقتصادي، والاجتماعي.
موازنة الدولة
وقال يسرى الشرقاوى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، إن توجه الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، هو رفع الدعم بشكل تدريجى عن المحروقات وإعادة توجيه الدعم لمستحقيه، خاصة أن عالم الدول الثالث توجد به بعض الطبقات فى حاجة إلى الدعم، لكن هذا الدعم لا يصل إلى مستحقيه بالشكل الأمثل، وبالتالى يجب إعادة النظر فى عملية توجيه الدعم.
وأضاف الشرقاوي، فى تصريح خاص لـ “فيتو”، أن الموازنة تتحمل أعباء كبيرة فى ملف الدعم خاصة دعم المواد البترولية، لأن أسعار المحروقات دائمًا ما تتأثر بالأسعار العالمية، مشيرًا إلى دول العالم الثالث فى الغالب لا يوجد لديها قاعدة بيانات على درجة عالية من الدقة لتحدد المستفيدين من الدعم؛ ولذا يجب أن يتم إعادة هيكلة المنظومة للتأكد من وصول الدعم إلى مستحقيه.
وأشار إلى أنه بالفعل توجد مشاكل تترتب على رفع الدعم، لكن عندما نتحدث عن رفع الدعم عن أسر تمتلك 5 سيارات وتستهلك كميات وقود عالية، بينما هناك أسرة أخرى تستخدم المواصلات العامة وهنا الدعم يجب أن يوجه لصالح المواصلات العامة وليس للوقود بشكل عام، وهنا سيستفيد المستحقون بالدعم فقط.
وأوضح أنه إذا ما تم رفع الدعم دون النظر فى الاعتبار إلى الإجراءات الاحترازية وتنقية قواعد البيانات لإيصال الدعم لمستحقيه سيحدث مشكلة كبيرة للغاية، مشيرًا إلى أن دعم السلع الغذائية يُعد أمنًا قوميًّا، فإذا تم رفع الدعم عنها ويتحول إلى دعم نقدى ربما إذا لم تسيطر على تجار السلع الغذائية الأساسية فسيحدث مشكلة كبيرة للغاية فى عملية رفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه أمام الدعم النقدي.
وأكد على أهمية وجود معادلة بين الدعم النقدى العام والدعم الجزئى ما بين النقدى والسلعى حتى يتم التحول التدريجى على مدى سنوات مع ضبط آليات السوق للتحول إلى الدعم النقدي.
بدوره قال وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع إن موازنة 2024-2025 رصدت نحو 635.9 مليار جنيه كمخصصات تمويل الدعم والحماية الاجتماعية، ويمكن لنا أن نميز بين ثلاثة محاور للدعم فى تلك الموازنة.
المحور الأول، دعم عينى يُمكن استمراره، من أهم عناصره، تخصيص نحو 9 مليارات جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، و8 مليارات جنيه لدعم التأمين الصحى والأدوية، و12 مليار جنيه دعم برامج الإسكان الاجتماعي، و3.5 مليار جنيه لدعم برامج الغاز الطبيعى للمنازل، حيث نجد أن هذه المُخصصات تذهب لمُستحقيها بالفعل، وبعضها وهو المُتعلق بالتأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة سوف يتطور ذاتيًّا مع اكتمال مشروع التأمين الصحى الشامل خلال السنوات القادمة.
وأضاف جاب الله فى تصريحات خاصة لـ”فيتو” أن المحور الثانى من محاور الدعم، هو دعم نقدى مُشروط، من أهم عناصره تخصيص نحو 41 مليار جنيه مُخصصات تكافل وكرامة، ومعاش الطفل، و143 مليار جنيه مُساهمات الدولة فى صناديق المعاشات، و215 مليار جنيه مُساهمة للتأمينات الاجتماعية لدعم المعاشات وفض التشابك المالى المرتبط بها، و23 مليار جنيه دعم تنمية الصادرات، و17 مليار جنيه دعم الأنشطة الانتاجية الصناعية والزراعية، ونجد أن هذه المُخصصات نجحت بالفعل فى تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية حيث يُمثل نموذج الدعم النقدى البديل الأكثر مرونة ونجاح.
وتابع إن المحور الثالث، دعم عينى يحتاج إلى تطوير، وبحث إمكانية تحويله إلى دعم نقدي، من أهم عناصره، تخصيص نحو 154 مليار جنيه دعم المواد البترولية، و134 مليار جنيه دعم الخبز والسلع التموينية، و2.5 مليار جنيه دعم الكهرباء، و1 مليار جنيه لدعم شركات المياه، و2.4 مليار جنيه دعم نقل الركاب، مشيرًا إلى أنه هكذا نجد أن حجم قضية الدعم الذى يحتاج إلى تطوير فى مصر يصل إلى نحو 300 مليار جنيه تمثل نحو 47% من إجمالى الدعم، ويتركز فى دعم المواد البترولية، والسلع التموينية، والكهرباء، والمياه، والنقل.
وأكمل أن الاستمرار فى الدعم العينى لتلك العناصر يجعل نسبة كبيره منها تذهب لغير المُستحقين، عبر استفادة أغنياء المصريين، والمُقيمين الأجانب منها، فضلًا عن مُمارسات الهدر، والفساد والتربح التى طالت مراحل تحويل المُخصصات النقدية إلى سلع تُقدم للمواطن عينيًّا. وهو الأمر الذى دفع نحو التفكير فى التحول نحو الدعم النقدى الذى يُعالج عيوب الدعم العيني، لكنه قد يترتب عليه زيادة مُفاجئة فى الأسعار إذا تم ترك الأمر للسوق بحجمها الحالى فى ظل زيادة الطلب المُتوقع إذا توقفت جهات الدعم السلعى عن تقديم الكميات التى تضخها فى الأسواق.
وهذا الأمر يتركز أثره فى مجال الخبز والسلع التموينية التى يجب على الدولة الاستمرار فى توفيرها عند ذات المصادر بنفس الكميات مع بيعها بسعر السوق وتعويض المُستفيدين بفارق السعر نقديًّا، بينما فى مجال دعم المواد البترولية والكهرباء والمياة فهناك العديد من التجارب الدولية التى قدمت فيها الدول دعمًا نقديًّا لمواطنيها بشأنها وأهمها عربيًّا دولة سلطنة عمان التى قدمت نموذجًا إلكترونيًّا مُتكاملًا لتنظيم ذلك، بينما دعم نقل الركاب فهو دعم يتسم بالتمييز لكونه يتركز على دعم وسائل الانتقال فى العاصمة كالأتوبيسات الحكومية، ومترو الأنفاق، ولا يمتد للأقاليم.
وأشار عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، أنه للتصدى لمسألة تطوير ملف الدعم وزيادة مساحة الدعم النقدي، وتوجيهه للمُستفيدين الحقيقيين، يجب أن تكون البداية بإنشاء كيان حكومى لإدارة هذا الملف المُتشعب، وتقوم تلك الجهة بتحديد نطاق محاور الدعم، والطريقة المُثلى لتنظيم الدعم فى كل محور مُستعينة بالدراسات والتجارب الدولية، ومُقترحات الخُبراء، مع تركيزها على تكوين قاعدة بيانات مُتكاملة عن ذلك الملف يمكن الاستناد إليها عند وضع المعايير العادلة لمُستحقى الدعم، مع العمل على مُتابعة نتائج التطوير فى كل مرحلة وتلافى مُشكلات تطوير ملف الدعم وتحولاته نحو زيادة مساحة الدعم النقدي، الذى يجب أن يكون فى صورة برامج نقدية مُتعددة يختار المُستحق منها، بصورة تجعله هو من يُطالب بالحصول على المُقابل النقدى وليس الاستلام العينى للسلعة.