رئيس التحرير
عصام كامل

اللعب فى الدعم.. «العيش».. كلمة السر فى ثورات المصريين.. الفراعنة تمردوا على رمسيس الثالث بسبب الخبز.. والفاطميون ضربوا السارقين.. ومحمد على وضع نظاما للأفران

الخبز
الخبز

على امتداد تاريخ مصر القديم والحديث لعب ملف الدعم دورا فى الاستقرار السياسى وفى حدوث الأزمات.. والثورات، بداية من دعم رغيف الخبر وليس انتهاء بالسلع الغذائية المختلفة وصولا إلى دعم الخدمات مثل الكهرباء والوقود والبنزين والسولار والبوتاجاز وغيرهم.

ولم يكن الرؤساء والحكومات المتعاقبة فى تاريخ بلادنا الحديث تقترب من ملف الدعم والأسعار إلا فى حدود ضيقة جدا وبحذر شديد وإلا اندلع غضب المصريين كما حدث فى انتفاضة الخبز فى عهد السادات، ورغم أن أحد شعارات ثورة 25 يناير 2011 كان «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» إلا أن حكومة الدكتور مصطفى مدبولى فعلت ما لم تفعله حكومة سابقة فقد تضاعفت أسعار السلع والخدمات بصورة جنونية وغير مسبوقة وبعدة مرات، كما يتم رفع الدعم تدريجيا عن كل السلع والخدمات والمواد البترولية والبوتاجاز والغاز والكهرباء، كما أعلنت الحكومة رغبتها فى تحويل الدعم العينى مثل السلع التموينية وخلافها إلى دعم نقدي. ويرى خبراء أن سعى الحكومة لهذا الأمر لا علاقة له بالسبب المعلن وهو وصول الدعم لمستحقيه ومحاولة ترشيد فاتورة الدعم فى الموازنة ولكن الحكومة تفعل ذلك تنفيذا الشروط صندوق النقد الدولي..

«فيتو» فى هذا الملف تفتح ملف الدعم عبر العصور المختلفة والممارسات الحالية بشأنه من خلال استطلاع آراء وزراء سابقين وخبراء اقتصاد وسياسيين فإلى التفاصيل:

 

منذ القدم حرص المصريون القدماء على توثيق علاقتهم العميقة بالخبز، وهو ما يظهر فى أسطورة إيزيس وأوزوريس، إذ كانت إيزيس تصنع الخبز لزوجها للدلالة على الحب والوفاء، وها هى بردية هاريس -إحدى أكبر وأطول البرديات المصرية القديمة والمحفوظة بالمتحف البريطانى حاليا- تؤكد تقديم المصريين القدماء نحو 30 صنفا من أصناف الخبز كقرابين لمعبودهم آمون خلال عهد رمسيس الثالث.

انفجرت  الثورات الاجتماعية فى التاريخ بسبب الخبز، ففى عصر الملك “رمسيس الثالث”، وفى السنة التاسعة والعشرين من حكمه، أى عام 1213 ق. م؛ قام العمال بالإضراب والثورة لمدة شهرين بسبب قلة: “الجرايات”، التى كانت تُصرف لهم من جانب إدارة معبد دير المدينة بـ”الأقصر”.. فالخبز هو مصدر الغذاء الرئيس لهؤلاء العمال؛ الذين كانوا يعملون فى قطع الأحجار..”.

وفى عصر الأخشيديين؛ وقعت عدة ثورات، إلا أن أشدها عام: (352 هـ / 963 م)؛ واستمر تسع سنوات متتالية بسبب نقص مياه “النيل”؛ مما أدى إلى اختفاء “القمح” واضطربت الأحوال وكثرت الفتن، والحروب الداخلية وأحرقت أماكن كثيرة واختفت الأقوات من الأسواق.

وعندما دخل الفاطميون “مصر”.. وبعد أن فرغ القائد، “جوهر الصقلي”، من بناء “القاهرة”؛ بدأ ينظر فى أمر ارتفاع الأسعار، وخاصة الخبز، الغذاء الأساس لهؤلاء العامة،ورأى، “جوهر”، أن هيبة النظام أصبحت محل اختبار؛ فإما يخضع لضغوط تجار وسماسرة الغلال أو يؤكد قوة الدولة، فقام بجمع الطحانين وضرب جماعة ؛ وكذلك فعل بسماسرة الغلال.. فجمعهم بمكان واحد وأمر ألا يُباع القمح إلا هناك؛ وجعل لهذا المكان طريقًا واحدًا فكان لا يخرج قدح من القمح إلا ويسجله، “سليمان بن عزة”، المحتسب..

وفى بعض الأحيان يستغل التجار انشغال الدولة بإحدى الأزمات للتربح.. ففى عام: (395 هـ / 1004 م)، استغل الخبازون نقص مياه “النيل” وقلة محصول “القمح”؛ فرفعوا الأسعار بل وقاموا بغش الخبز وبله بالماء حتى يزيد وزنه؛ فأمر “الحاكم بأمر الله”؛ بضرب عدد من الطحانين والخبازين بالسياط والتشهير بهم، وبعد ذلك بثلاث سنوات حدث غلاء شديد، فتظاهر العامة وثاروا وهتفوا ضد الحاكم.

وفى العام الثالث من حكم “العادل كتبغا”، (696 هـ / 1296 م)، أحد سلاطين المماليك البحرية؛ حدثت مجاعة شديدة وصل معها سعر إردب “القمح”؛ إلى: 190 دينارًا، ويصف “المقريزي”، هذه الأزمة بقوله: “.. فتزايد السعر وساءت الأحوال وكثر الشُح وضاقت الأرزاق وأشتد البكاء وعظم ضجيج الناس في الأسواق من شدة الغلاء”، وبسبب هذه الأحوال حدثت الاضطرابات بين المواطنين وقاموا بالثورة ونهبوا الخبز من الأفران والحوانيت حتى كان العجين لا يخرج إلا ومعه حراس يحمونه بالعصى خشية خطفه فكان كثير من الناس يلقى بنفسه على الخبز دون اهتمام بالضرب المُبرح لشدة ما نزل به من الجوع.

وقعت أزمة كبيرة فى عهد السلطان “الناصر محمد بن قلاوون”، الذى عُزل عن السلطنة وعاد مرتين؛ كانت آخرهما فى الفترة من: (709 هـ / 1309 م) إلى: (741 هـ / 1340 م).. فوصل سعر “القمح” إلى خمسين درهمًا للإردب فامتنع الأمراء الذين كانوا يتحكمون فى نقل واستيراد “القمح” عن توريده للطحانين؛ فخاف السلطان عاقبة ذلك على المواطنين فطلب، “نجم الدين الأسعردي”، المحتسب، وشد عليه فى الحديث.. وأرسل معه والى “القاهرة”، الذى كان ظلومًا غشومًا، وبدلًا من أن يواجه الأمراء المحتكرين.. قام بضرب الطحانين والخبازين بالمقارع، فأغلقوا الدكاكين واشتدت الأزمة واختفى الخبز من السوق.

وقام  السلطان، “الناصر محمد بن قلاوون” بتنويع مصادر استيراد “القمح” من: “عزة” و”الكرك”.. و”دمشق والشوبك” وأصدر أوامره بأن من باع أردب “القمح” بأكثر من ثلاثين درهمًا نٌهب ماله. 

وأيضًا قام المصريون بثورة ضد المحتسب “وزير التموين”  الموالى للتجار، الذى كان يعمل ضد مصلحة العامة، ففى عام (749 هـ / 1348 م)؛ رجمت العامة، “ابن الأطروش”، المحتسب، بسبب ارتفاع سعر الخبز؛ فبلغ ستة أرطال أو سبعة أرطال بدرهم، وعندما قام أحد الخبازين بخفض سعر الخبز، حيث باع ثمانية أرطال بدرهم طلبه، “ابن الأطروش”، وضربه بسبب ذلك، فثارت العامة ورجموا باب داره.

ويذكر “المقريزي”؛ أنه فى سنة (831 هـ / 1427 م)، وصل سعر إردب “القمح” إلى أكثر من: 400 درهم، رغم زيادة “النيل”، وكان السبب أن الأمراء والأعيان شرهوا فى الفوائد، وشاركوا من دونهم فى ادخار الغلال طلبًا للفائدة؛ فعز وجود الغلال وارتفع سعرها وفقد الخبز من الأسواق أحيانًا وصارت ولاة الأمور بعيدة عن طرق المصالح.

وكذلك تذكر (الوقائع المصرية)، أن “محمد علي” أمر بالتنبيه على جماعة المحتسب؛ بأنهم إذا وجدوا خبزًا ناقصًا: “أو غير مستوفٍ فإن عليهم أن يضربوا صاحب الفرن مائتى كرباج وأن يغلقوا فرنه.. وإن وجدوا خبزه ناقصًا مرة أخرى وغير مستوٍ أن يُرسل إلى اللومان وفقًا للقوانين، وأن ينبه على الخبازين من مشايخهم باتخاذ ذلك دستورًا للعمل”.. ومن الواضح أن هذه الطائفة قد أرهقت المحتسب، “عمر أغا”، لدرجة أنه أجتهد لوضع ما أسماه دستور التعامل معهم.

٢٥ يناير

انتفاضة الخبز هى انتفاضة شعبية قامت فى مصر فى 18-19 يناير 1977، على نظام الرئيس أنور السادات فى جميع المدن الرئيسية تقريبًا بسبب مضاعفة أسعار مواد غذائية أساسية بينها الخبز.

وفى نفس الشهر لكن بعد 34 عامًا، كان الخبز جزءا أساسيا من شعار ثورة يناير “عيش (خبز)، حرية، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية” الذى هتف به المتظاهرون وقتئذ.

وحاولت الحكومات المتعاقبة تخفيف فاتورة الدعم دون المساس بسعر الخبز بشكل مباشر، عبر تخفيف وزنه، وفى أغسطس 2020، قامت الحكومة بتخفيض وزن رغيف الخبز المدعوم إلى 90 جراما من 110 جرامات لتصل إنتاجية جوال الدقيق “وزن 100 كيلو جرام” إلى 1450 رغيفا بدلا من 1250 رغيفا، بينما كان وزن الرغيف المدعم فى تسعينيات القرن الماضى 150 جرامًا.

وفى عام 2021، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة تحريك سعر رغيف الخبز قائلًا: “جه الوقت إن رغيف العيش أبو 5 صاغ يزيد ثمنه.. مش معقولة أدى 20 رغيف بثمن سيجارة”.

واقترحت حكومة مصطفى مدبولى تحريك سعر رغيف الخبز المدعم أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنه دائما ما كان يواجه الاقتراح برفض شعبى كبير.

ووفقا لإحصاءات حكومية، فإن مصر تقدم الخبز المدعم لأكثر من 70 مليون شخص فى إطار برنامج ضخم لدعم المواد الغذائية، وبموجب هذا البرنامج يتم صرف 150 رغيفًا شهريًا من الخبز المدعوم للفرد الواحد، وذلك منذ بدء العمل بمنظومة البطاقات الذكية فى أبريل 2014 وحتى الآن.

ارتفاع جديد

وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولى عن رفع سعر رغيف الخبز المدعم الى 20 قرشا اعتبارا من أول يونيو ٢٠٢٤، وقال حينها،  إن سعر رغيف الخبز المدعم لم يتم تحريكه منذ أكثر من 30 عاما، وإن سعر الخبز خلال تلك الفترة تضاعف عدة مرات، لافتا إلى أن تكلفة رغيف الخبز على الدولة هى 1.25 جنيه بينما تبيعه بـ5 قروش فقط.

الموازنة الجديدة

وجاء فى مشروع الموازنة العامة للعام المالى 2024/2025، دعم رغيف الخبز بقيمة 90.756 مليار جنيه، بالإضافة إلى دعم دقيق المستودعات بـ 5.248 مليار جنيه، فضلا عن دعم نقاط الخبز 10 قروش/ رغيف بإجمالى حوالى 20.460 مليار رغيف بقيمة 2.64 مليار جنيه، بخلاف ما يقرب 36.1 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، ليصبح إجمالى الدعم 134.150 مليار جنيه.

وأعلن وزير التموين الحالى الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، عن دراسة مقترح لبيع  الخبز المدعم بالوزن، بحيث يصبح نصيب الفرد 450 جراما يوميًا بدلًا من 3 أرغفة.

الجريدة الرسمية