أزمة الغاز الطبيعي والحلول الواقعية والمبتكرة
لا شك أن مشكلة الغاز الطبيعي في مصر صارت مشكلة مؤرقة، بعد أن دخلت مصر منطقة الاكتفاء الذاتي التي بلغتها في عام 2017 عقب بدء الإنتاج المحلي من حقل ظُهر، وهو من أكبر اكتشافات الغاز في حوض البحر المتوسط في الفترة الأخيرة، وقد وصل إنتاج ذلك الحقل إلى نحو ثلاثة مليارات قدم مكعب من الغاز يوميًا في الفترة من 2018 إلى 2021..
بينما كانت باقي حقول الغاز في مصر في الدلتا ومنطقة البرلس تنتج كميات كبيرة أيضا وصلت بالإنتاج إلى نحو 7.2 مليار قدم مكعب، وهو ما كان يغطي احتياجات البلاد بالكامل في تلك الفترة ويفيض للتصدير، حيث تبلغ احتياجات مصر اليومية من الغاز الطبيعي 6.2 مليار قدم مكعب يومي..
لكن مع ظهور المشكلات في حقل ظهر والنقص الحاد في الإنتاج بلغ الإنتاج اليومي حاليا نحو 4.6 مليار قدم مكعب، وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام الجاري لنحو 5 مليارات قدم مكعب يوميًا.
وقد أدى تراجع إنتاج حقل ظهر إلى نحو ملياري قدم مكعب يوميا في 2023، إلى تطبيق خطة تخفيف الأحمال، ثم بدأ استيراد الغاز الطبيعي بالاتفاق على شراء 21 شحنة من الغاز المسال خلال أشهر الصيف الجاري، بالإضافة لخمس شحنات فورية تم طرحها خلال يوليو الماضي، وتحاول الحكومة معالجة ذلك النقص الحاد والعودة للاكتفاء الذاتي..
وذلك عن طريق تقديم حوافز جديدة للشركات الأجنبية لزيادة إنتاج الغاز تتمثل في السماح بتصدير حصة معينة من الإنتاج الجديد، بحيث تستخدم عائداتها في سداد المستحقات المطلوبة، بالإضافة لرفع سعر حصة هذه الشركات من الإنتاج الجديد من الغاز..
كما تطرح الحكومة مزايدة للتنقيب عن الغاز الطبيعي في 12 منطقة في البحر المتوسط ودلتا النيل، مقسمة إلى 10 قطاعات بحرية وقطاعين بريين، فالسبب الرئيسي وراء تحول مصر من مصدر للغاز الطبيعي إلى مستورد له، هو غياب اكتشافات الغاز المهمة منذ اكتشاف حقل ظهر..
فجميع ما تم اكتشافه من حقول لا يتمتع بقدرات إنتاجية عالية، ما أدى إلى ثبات في المخزونات، وتناقص في معدلات الإنتاج خلال تلك السنوات، وتعمل الحكومة على الالتزام باستدامة سداد مبلغ شهري للشركاء الأجانب؛ للحفاظ على معدلات الإنتاج، واستمرار تلك الاستكشافات..
حيث وصلت مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مجال استكشاف واستخراج النفط والغاز لدى الهيئة المصرية العامة للبترول لنحو 4.5 مليار دولار، سددت الحكومة المصرية ما بين 20 و25% من متأخرات شركات النفط الأجنبية مؤخرًا.
وبينما يعد بعض الخبراء أن تراجع حقل ظهر في الإنتاج أمر طبيعي كما هو الحال في جميع حقول الغاز في جميع أنحاء العالم، لكن لتفادي المزيد من تفاقم هبوط معدلات الإنتاج لا بد أن تُخصص موارد مالية كافية لتطوير الحقول، ومواقع الإنتاج، وحفر آبار جديدة بها، من أجل المحافظة على معدلات الإنتاج واستغلال القدرات..
وهو ما بادرت الحكمومة به ولو كان متأخرا، بينما يرجع البعض ذلك التراجع إلى تعرض حقل ظهر للاستنزاف الجائر بسبب سياسة الحكومة وانتهازها فرصة اندلاع الحرب في أوكرانيا من أجل تصدير كميات هائلة من الغاز إلى أوروبا رغبة في حصد العملة الصعبة بأكبر صورة ممكنة..
مما ألحق أضرارا بالغة بمستويات إنتاج هذا الحقل، كما لم تستخدم عائدات الغاز المصدر إلى أوروبا في تطوير الحقول، سواء حقل ظهر أو في غيره من حقول الدلتا أو البرلس، بسبب المتأخرات المستحقة للشركات المشغلة لمواقع الإنتاج، ما أدى إلى تراجع كبير في مستويات إنتاج حقل ظهر إلى 1.9 مليار متر مكعب من الغاز، مقارنة بذروة إنتاجه التي بلغت 3 مليار متر مكعب.
وفي إطار محاولات الحكومة حل الأزمة تلجأ إلى تقنيات حديثة في الحفر والتنقيب عن الغاز حيث ذكر بعض المتخصصين أن شركة تاج الكندية للنفط والغاز الطبيعي بدأت استخدام تقنية الحفر الأفقي للمرة الأولى في مصر، وهي من أحدث تقنيات استخراج النفط والغاز الطبيعي.
وقد تجعل تلك التقنية الحديثة من مصر واحدة من أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في المنطقة، بعد أن جعلت من الولايات المتحدة مُصدِرًا أساسيا لهذين النوعين من منتجات الطاقة.
وبدأت عملية الحفر الأفقي في بئر مصري بالفعل بمعرفة الشركة الكندية، وهو البئر الذي يتمتع بقدرة إنتاجية تبلغ 400 برميل من النفط يوميا، بمعدل غاز طبيعي يصل إلى 150 قدم مكعب يوميا. وقد يكون التحول إلى هذه الطريقة في الحفر من العوامل التي تساعد الحكومة على توفير مزيد من إمدادات الغاز الطبيعي في مصر.