البراءة من تهمة وهمية
يعتقد الكثيرون أن سيدنا الخضر عليه السلام قتل غلاماَ، وهو اعتقاد ظالم تماما فقد قال الله تعالى [وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا (80) فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا (81)] سورة الكهف.
فعدم تعقيب سيدنا موسى عليه السلام في حكمة قتل الغلام فيها دليل على شرعية القتل لعلة ظاهرة في البيان، وإلا لكان هناك تعقيب من سيدنا موسى عليه السلام للاستجلاء بالسؤال كغيرها من العلل الشرعية، كما في قصص السفينة والجدار والتي ظهرت فيهما العلة الشرعية، وقد كان حريصا أمينا في قوة على أمر وحكم الشريعة مع حال تعجبه من الأفعال..
أما العلة الشرعية في قضية الغلام والتي ألزمت سيدنا موسى عليه السلام هي أن كان هذا الغلام في سيناء، وقد كان على شريعة سيدنا موسى عليه السلام، وقد كفر وعبد صنم عجل القرية التي مر عليها بني إسرائيل في قوله تعالى [وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ (138)] سورة الأعراف.
فحق في الغلام الاستتابة بحكم الشريعة الموسوية أي بالقتل كما في الحكم في بني إسرائيل في قوله تعالى [وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (54) وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (56) ] سورة البقرة.
لذلك فقد أحياه الله تعالى بحكم الشريعة بعد إقامة حد التوبة فيه، ومن مقاربة دليل ذلك قوله تعالى "طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا" فلم يأتي ذلك الذكر الوصفي في القرآن إلا مع المخاطبين بشريعة سيدنا موسى عليه السلام في غير هذا الموطن.
في قوله تعالى [ وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (64) ] سورة المائدة.
وقوله تعالى [قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۖ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ (68)] سورة المائدة.
كما أن من معنى قوله تعالى "فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا" أي خير من الله بتزكية ذات الغلام فالزكاة لا تكون إلا بنماء أصل الشئ لا بغيره ولا في غيره، لذلك فقد أحيا الله تعالى ذلك الغلام مرة أخرى، وزكى ذات نفس الغلام فجعله أقرب رحما لوالديه.