ساخرون، حكاوي زمان.. حكايات التابعي عن أسرار طول العمر ورياضة المشى في الجنازات
فى جريدة الأخبار ديسمبر عام 1958 نشر الكاتب الصحفى محمد التابعى مقالا عن علاقة القوة الشرائية بالمال قال فيه: “كتبت مقالا عن طول العمر وتضاربت فيه الآراء حول أسباب طول العمر، فمنهم من قال إن رياضة المشي على الأقدام هى من أسباب العمر الطويل". ومن المعارضين لهذا الرأي شيخ أشرف على الثمانين من عمره وقال إن الرياضة الوحيدة التى أمارسها هى السير في جنازات أصدقائى الذين كانوا يمارسون رياضة المشي على الأقدام.
واليوم أقدم للقراء سؤالا آخر له صلة بنفس الموضوع، وهو: هل الترف والراحة من أسباب السعادة وطول العمر؟ فريق من العلماء والأخصائيين فى أمريكا يقول بهذا الرأى، وقد استعانت بعض شركات الأدوات الكهربائية والمنزلية بهذا الفريق على وضع قائمة طويلة تحوى ستين سؤالا.
ونشرت القائمة فى عدد من المجلات الواسعة الانتشار وعلى القراء أن يجيبوا عليها، وإذا كانت إجابة الواحد منهم “نعم” على 45 سؤالا فأكثر، فإنه يكون متمتعا بمستوى معيشة عالية تضمن له السعادة وطول العمر، وإذا كانت عدد نعم يتراوح ما بين 30 و44 فإن مستوى المعيشة لا بأس به.
وإذا هبط عدد نعم عند 20 فأقل فإن المسكين لا بد وأن تكون حياته يرثى لها بأسا وتعسا ومثله لا يعمر طويلا. والأسئلة منها: هل تملك بطانية كهربائية، وهل تمتلك ثلاجة وغسالة وآلة تطهى البيض بالكهرباء، وهل تفتح الجراج بمفتاح عادى أم بزر كهربائى يعمل بالضغط عليه، هل عندك آلة كهربائية لعرض أفلام سينما، وهل تحلق ذقنك بموس عادى أم بموس كهربائى.. إلى آخر ستين سؤالا من هذا النوع.
نتائج هذا السخف يقره علماء وأخصائيون أمريكيون وتنشره شركات كبيرة فى صحف محترمة وينسى السخفاء أن الترف أو السعادة كليهما مسألة نسبية تختلف باختلاف مزاج وميول وبيئة كل واحد منا.
فأنا مثلا ارتاح إلى حلاقة ذقنى بنفسى بالموس العادى وأفزع من الموس الكهربى، كذلك لا أطمئن إلى الزر الكهربى الذى يفتح باب مسكنى ويغلقه دون أن أقوم من فراشى وأفتح الباب بنفسى لأطمئن من الزائر فى الليل الغاسق.
وهناك كثيرون وأنا منهم لا يستسيغ طعم اللحم المطهى بالكهرباء وأفضل طهيه على الفحم وأشهر محلات الحاتى فى باريس ما زالت تستخدم الفحم. والواقع أن هذه الفلسفة الأمريكية إذا صح تشريفها بهذا الوصف لا تهدف إلى توفير السعادة أو الترف أو الراحة، إنما تهدف إلى توفير الوقت في الطهى أو الحلاقة مثلا لكى يكون عندنا وقت أكثر لعمل الفلوس، فكسب المال هو كل شيء فى أمريكا، وعندهم منتهى السعادة وأقصى الترف والراحة إلى أبعد حدود.
كل ذلك لا يتوافر إلا بالمال الكثير والعمر الطويل لكنها لم تقدم إحصائيات مؤيدة بالأرقام عن متوسط العمر عند أصحاب الملايين وعند الكادحين.. ورحم الله من قال كلما زاد عدد الأشياء التى أنت في غنى عنها زاد غناك وثراؤك.