من أخلاق الرسول (4)
كان رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قبل أن يبعثه الله بالرسالة العظمى في الذروة العليا من الأخلاق الحسنة؛ صدقًا وأمانة وكرمًا وحلمًا وشجاعة وعفة وقناعة، وغير ذلك من الصفات التي يحظى بالإجلال والإكبار مَنْ تمتع بواحدة منها فضلا عمن جُمعت له وتوافرت فيه.
ولما بعثه الله سبحانه بالنور والهدى إلى العالمين، زاده الله قوة في هذه الخصال الحميدة إلى قوته، حتى بلغ الحد الأعلى الذي يمكن أن يصل إليه إنسان فهو، صلى الله عليه وآله، وسلم، الإنسان الكامل، والأسوة الحسنة، حيث قال: "إنما بعثت لأتم صالح الأخلاق".. وقال تعالى: "وَإِنَّكَ لَعلى خُلُقٍ عَظِيم".
وتصفه السيدة عائشة فتقول: "كأنَّ كلماتِه حباتُ درٍّ انتظمت في عِقد"، أي: كالحبات في العقد منتظمة واحدة فواحدة.. قالت: "كان لا يسرد كلامه كسردكم"، أي: كان يخرج منه الكلام واضحًا يفهمه الأعرابي.. حتى إن الأعرابي إذا نظر إلى وجهه، صلى الله عليه وسلم، يقول: "والله ما هذا بوجه كذاب".
عن أبى هريرة صلّى الله عليه وسلم: «إن النبى صلّى الله عليه وسلم كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض بها صوته».
كأن الشمس تجرى فى وجهه
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلم، كأن الشمس تجرى فى وجهه، وما رأيت أحدا أسرع من رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلم، كأنّما الأرض تطوى له، إنّا لنجهد أنفسنا وإنّه غير مكترث».
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبى، صلّى الله عليه وآله وسلم، كان إذا مشى، مشى مجتمعا ليس فيه كسل، (أى شديد الحركة، قوى الأعضاء غير مسترخ فى المشى).
وكان صلّى الله عليه وسلم إذا التفت التفت معا أى بجميع أجزائه فلا يلوى عنقه يمنة أو يسرة، إذا نظر إلى الشيء لما فى ذلك من الخفة وعدم الصيانة وإنّما كان يقبل جميعا ويدبر جميعا لأن ذلك أليق بجلالته ومهابته هذا بالنسبة لالتفاته وراءه، أمّا لو التفت يمنة أو يسرة فالظاهر أنه كان يلتفت بعنقه الشريف.
وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم، يدعو ربه، قائلا: “اللهم اهدنى لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال وسيء الأخلاق، لا يقي سيئها إلا أنت”.
ومن أجل ذلك، لم يكن مستغربا أن يربي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أجيالا من العظماء، بنوا حضارة من أعظم الحضارات على مر التاريخ، وتخرج في مدرسة الحبيب، صلى الله عليه وآله وسلم، جيل من الصحابة والتابعين، قادوا أمة الإسلام، على هدى الرسول الأعظم.
كان الواحد من تلاميذ المصطفى بألف ممن سواه، ولو استطردنا في ذكر ملامح عظمة الصحابة والتابعين لما وسعتنا كتب وموسوعات.. وكذلك تشربت ذريته، صلى الله عليه وآله وسلم، أخلاقه العظيمة، وصفاته الجميلة، وكانت لآل البيت، على مر السنوات، الكثير من التصرفات التي من أجلها، اعتبروا قدوة للأخلاق الحسنة، وأسوة لمن يريد التحلي بها.