من أخلاق الرسول (3)
مثلما يجب أن نتعلم، ونتدارس، ونتذاكر أخلاق سيد ولد آدم، صلى الله عليه وآله وسلم، يجب أن نتعلم ونتدارس ونتذاكر، ونتعبد بصفاتِ النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، الخِلْقية والجسدية، ففيها معجزات أيضا.
“أدبني ربي فأحسن تأديبي”
أخلاق النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، علمه إياها رب العزة، “أدبني ربي فأحسن تأديبي”.. يقول المفكر الإسلامي أحمد أمين: الإنسان الواحد قد يأمره ضميره بشيء في زمن، ويأمره بعكس ذلك في زمن آخر، كالطالب يأمره ضميره أن ينهمك في القراءة والدرس من غير أن يراعي جسمه وصحته، فإذا درس قانون الصحة أو شعر بمرض فهم أن لجسمه عليه حقا، ولعقله عليه حقا، وطالبه ضميره بأن يرعى صحته وعقله جميعا.
والسبب في اختلاف أوامره أن الضمير يتأثر بعاملين كبيرين، فيتأثر أولا بالحالة الاجتماعية للأمة وعرفها ودرجة رقيها، فالإنسان ينشأ في أسرة تستحسن أعمالا وتستقبح أخرى، فيتبعها في استحسانها واستقباحها، ثم إذا هو خرج إلى الحياة العامة تبادل مع الناس الأخذ والعطاء فيلتقط آراءهم في الخير والشر، ويقلدهم في ذلك، ويسايرهم فيما يستقبحون وما يستحسنون، ويأمره ضميره أن يفعل كما يفعلون.
وثانيا: يتأثر ضمير كل إنسان بدرجة عقله وعلمه، فكلما زاد علم الإنسان ونما عقله ارتقى ضميره، ذلك أن الخبرة والتجربة ومعرفته بنتائج الأشياء النافعة والضارة توسع عقله، فيتبع ذلك ارتقاء ضميره، حتى قد يأمره ضميره بعد هذه التجارب بما كان ينهاه عنه من قبل، وينهاه عما كان يأمره به، لأن عقله عرف من الحقائق ما كان يجهله، بل هو إذا وصل إلى درجة كبيرة من رقي العقل كان ضميره تابعا لعقله أكثر من تبعيته لتقاليد قومه، واستطاع، إذا هو رزق وسائل الزعامة، أن يغير ما يستنكره من عادات قومه.
لكن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، شبَّ على مكارم الأخلاق، دون أن يتعلمها أو يتأثر بأحد، أو تؤثر فيه البيئة المحيطة، فقد كانت تعج بالشر، والعنف، وسوء الفعال.
ومن جانب الصفات، فقد قال سيدُنا الحسن بن علي، رضي الله عنهما، لهند بن أبي هالة، رضي الله عنه: صفْ لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يا خال! وهذا من أدب سيدنا الحسن، فـ هند ابن السيدة خديجة، رضي الله عنها، وفاطمة أيضًا بنت السيدة خديجة، فهو أخو السيدة فاطمة من أمها، فلما أراد الحسن من هند بن أبي هالة أن يصف له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال له: صف رسول الله يا خال.
قال هند: "كان صلى الله عليه وسلم فخمًا مفخمًا"، أي: تنظر إليه فتحترمه وله هيبة، "يتلألأ وجهُهُ تلألؤ القمر ليلة التمام"، وهذا كوصف خالد بن الوليد، رضي الله عنه، له، قال: كان صلى الله عليه وسلم نضَّاحَ المُحيَّا، أي: كمن هو خارجٌ من الحمام بعد أن اغتسل، قالوا: يا خالد! حتى في المعركة؟ قال: حتى في المعركة.
قال هندٌ: "أطول من المربوع وأقصر من المُشذَّب"، والمربوعُ: الرجل الطويل العادي، فلا هو بالطويل البيِّن ولا بالقصير البيِّن، ومع أنه كان متوسطَ الطولِ، صلى الله عليه وسلم، لكن إذا سار معه أحدٌ أطول منه رأى الرائي أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أطول.
قال: "عظيم الهامة" أي رأسه صلى الله عليه وسلم مرفوع، ومؤخر رأسه فيه شيء من الضخامة.. قال: "رَجِل الشعر إن انفرقت عقيصته فرقها"، رجل الشعر أي: مسترسل ناعم، لو فرقه بيده هكذا افترق، وكان شعره كله أسود.
هند ابن أبي هالة يصف الرسول
وقال هند بن أبي هالة، رضي الله عنه: "مفلج الأسنان"، أي: أسنانه ليست ملتصقة ببعضها، ولم يكن على أسنانه بقايا أكل صلى الله عليه وسلم، وكان رغم ذلك يستاك قبل الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
"دقيق المسربة"، أي: شعر ما تحت السرة.. "كأن عنقه جِيد دُمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك"، بادن يعني: ليس نحيفًا، ومتماسك أي: ثابت جسمه عند مشيه لا يهتز.
"سواء البطن والصدر" يعني: صدره مستو مع بطنه.. "عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس"، أي: العظم الذي في ناحية الصدر.. "أنور المتجرد" أي: إذا انكشف عضو من جسمه أضاء، صلى الله عليه وسلم.
"عاري الثديين والبطن"، أي: عار من الشعر.. "طويل الزندين"، أي: الذراعين.. "رحب الراحة"، أي: يده واسعة.. "سائل الأطراف"، أي: أصابعه منسالة، فلا إصبع صغيرة ولا إصبع طويلة.
"مسيح القدمين"، أي: أن رجليه لينتان وناعمتان، وبواطن أصابعه منحطة على الأرض.. "إذا زال زال قلعًا"، يعني: إذا مشى كأنه يأخذ رجليه من رمل، وكأنما تطوى له الأرض طيًا، وكأنما ينصب من علو، ولذلك كان يرأف بالصحابة رضوان الله عليهم، فكان يأمرهم أن يمشوا قدامه ويقول: "دعوا ظهري لملائكة ربي".
"يمشي هونًا، إذا التفت التفت جميعًا"، يعني: كان يلتفت بجميع جسمه إذا أراد أن يكلم أحدًا.. "خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة".
"يجاوز شعره شحمة أذنيه"، لطول شعره صلى الله عليه وسلم.. "أزجُّ الحواجب"، أي: أن الحواجب مقترنة ببعضها وملتصقة.. "أزهر اللون"، أي: أبيض مع شيء من الحمرة، فليس بأبهق، إذ يقال عن الأبهق: عدو الشمس.
"واسع الجبين" أي: جبهته، صلى الله عليه وسلم، واسعة.. "أقنى العرنين"، يعني: أنفه، صلى الله عليه وسلم، طويلة فلا هي عريضة ولا معكوفة ولا مائلة، وإنما أقنى العرنين صلى الله عليه وسلم.
"له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أن الشمس تطل من جبينه" لضيائه وإشراقه صلى الله عليه وسلم.. "كث اللحية، سهل الخدين"، يعني: ليس كلثومًا، والكلثوم: ذات الوجه المدور الممتلئ.
وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم سهل الخدين.. "ضليع الفم"، أي: كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم خرج الكلام من كل فمه.