رئيس التحرير
عصام كامل

من أخلاق الرسول (2)

ما أسعدنا بسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لقد أكرمنا الله بأننا كنا من أمته، وندعوا الله أن يتوفانا على الإيمان والإسلام، وأن يحشرنا في زمرته.

أخلاقه، صلى الله عليه وآله وسلم، من معجزاته.. كان بشرا رسولا، لكن أخلاقه تفوق كل تصور في سموها ورفعتها.. ولو أن إنسانا تمسك بخلق واحد، الصدق.. الحلم.. الرحمة.. الأمانة.. الزهد.. الشجاعة.. الجود.. الكرم.. التواضع، وغيرها كثير، لكان من خير الناس.

 

كان صلى الله عليه وآله وسلم، لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى قومٍ، جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يقوم الذي جلس إليه، إلا أن يستعجله أمرٌ، فيستأذنه.

 

العفو والصفح من شيمه، صلى الله عليه وسلم

ولا يقابل صلى الله عليه وآله وسلم، أحدا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها، بل يعفو ويصفح. وكان صلى الله عليه وآله وسلم، يعود المرضى، ويحب المساكين، ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه، يعظم النعمة وإن قلت، لا يذم منها شيئا. فما عاب طعاما قط، إن اشتهاه.. أكله، وإلا.. تركه.


وكان، صلى الله عليه وآله، وسلم، يحفظ جاره، ويكرم ضيفه، وكان أكثر الناس تبسما، وأحسنهم بشرا، لا يمضي له وقت في غير عمل لله عز وجل، وفيما لا بد منه، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه. يخصف نعله، ويرقع ثوبه. ويركب الفرس والبغل والحمار، ويردف خلفه عبده أو غيره.

 

رحمته بالبهائم

ويمسح وجه فرسه بطرف كفه، أو بطرف ردائه. وكان صلى الله عليه وآله وسلم، يحب الفأل، ويكره الطيرة. وإذا جاءه ما يحب، قال: "الحمد لله رب العالمين، وإذا جاءه ما يكره.. قال: "الحمد لله على كل حال".


وإذا رفع الطعام من بين يديه، قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا، وجعلنا مسلمين". وأكثر جلوسه، صلى الله عليه وآله، وسلم، مستقبل القبلة، ويكثر الذكر، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة.  
ويستغفر الله في المجلس الواحد مئة مرة.

 

وكان صلى الله عليه وآله وسلم، أعف الناس، وأشدهم إكراما لأصحابه، لا يمد رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، من رآه هابه، ومن خالطه أحبه.

 

عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم يُر مقدما ركبتيه بين يدي جليس له.


وكان صلى الله عليه وآله وسلم، يُسمع لصدره وهو في الصلاة كأزيز المرجل من البكاء. وكان، صلى الله عليه وآله وسلم، يصوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر.. وأكثر صيامه في شعبان.


وكان صلى الله عليه وآله وسلم، تنام عيناه، ولا ينام قلبه؛ لا يغفل عن ذكر الله، والاهتمام بأمور أمته، وشئون المسلمين في عصره، والعصور التالية. وإذا رقد نفخ، ولا يغط. وإذا رأى في منامه ما يكره قال: "هو الله لا شريك له".. وإذا أخذ مضجعه، قال: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك". وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".

 

التواضع

وكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، ويكافئ عليها، ولا يتأنق في مأكل.. كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير.


كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: “بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا”.. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "إنا كنا إذا اشتد بنا البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أقربنا إلى العدو".


وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا.


ومرّ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: “اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة”. “المعجمة: التي لا تنطق”. رواه أبو داود بإسناد صحيح.

 

وعن عبد الله، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرة (طائر يشبه العصفور) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تُعرش، فلما جاء رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها.


وعن أنس: أن رجلًا سأل النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، غنمًا بين جبلين فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا فوالله إن محمدًا ليُعطي عطاء ما يخاف الفقر، فقال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يُسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.
وسئلت عائشة رضي الله عنها، ما كان النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة.
 


ما أعظم خلقه، صلى الله عليه وآله وسلم.. وصدق الله العظيم حين أثنى على خُلُقه، في قوله، عز من قائل: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم".
حريٌّ بنا أن نتدارس أخلاق أعظم خلق الله، وأن نعلمها، ونشرحها لأبنائنا، وأن يقتدي بها الحكام، والحكماء، وأن نتخذها نبراسا لنا في حياتنا؛ حتى ننجح، ونتجاوز مصاعب الحياة، ولكي يعم السلام، والحب، والتسامح فيما بين البشر.

الجريدة الرسمية