رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم في خطر! (1)

بعيدا عن مواد التاريخ والدين والتربية القومية التى من خصوصية كل دولة.. نحن لا نخترع العجلة.. وبعيدا عن العبء الثقيل على أولياء الأمور الذى تحجج به وزير التربية والتعليم، وهو أمر مرفوض من الأساس لأنه ببساطة أمر بعيد عن مفهوم التطوير الحقيقى للعملية التعليمية، فمن يذهب للطبيب للعلاج من المرضى، لا يستشيره الطبيب فى نوعية العلاج ومقداره، فهو الوحيد الذى لديه المقدرة العلمية على التشخيص والعلاج.


المهم أن نظرة سريعة على المناهج التعليمية العلمية في الدول المتقدمة في مجال التربية والتعليم مثل اليابان وألمانيا وحتى سنغافورة وماليزيا أو التى حققت طفرة في التعليم علينا أن نأخذ المناهج العلمية كاملة منهم ودون حذف أو إضافه.. لماذا؟ لان هذه المناهج  قد حققت النهضة عندهم والجميع يشهد بذلك.. 

 

مع ملاحظة ضرورة البعد عن مناهج التعليم في أمريكا التى نرى ضعف مناهجها في الثانوية العامة إذا ما تم مقارنتها بمثيلتها البريطانية.. وببساطة أيضا أن تقدم الامريكان يعتمد على العقول المهاجرة من كل انحاء العالم بشكل كبير، المهم لا خلاف فى مناهج الكيمياء والاحياء والفيزياء والرياضيات على سبيل المثال إذا ما تم نقلها لجميع المراحل التعليمية مرة واحدة حتى تكون وحدة واحدة متكاملة..

 
أما ما يحدث عندنا في مثل هذه المناهج في جميع المراحل فيفوق لضخامته القدرة الاستيعابية للطالب في كل مرحلة.. وهذا سر تفشى ظاهرة الدروس الخصوصية في ظل تكدس الطلاب في الفصول وصغر وقت الحصة وضعف مستوى بعض المدرسيين.

ولكل هذا نرى النتائج المفزعة، ليست في نتيجة الامتحانات ومعيارها فحسب ولكن في القيمة العلمية فيما استوعبه الخريج واستقر في عقله بعد أن كنا ننافس بمناهجنا ومستوى تحصيلها إذا ما تم مقارنتها بكل مناهج العالم.

مشاكل العملية التعليمية 

على سبيل المثال أنظروا إلى كتب أى طفل في المرحلة الابتدائية والمناهج المقررة فيها ستصابون بالانزعاج، بعضها كنا ندرسه في المرحلة الجامعية في كليات العلوم، وكتبت ذات مرة أننى أطالب وزير التربية والتعليم أن يجرب حمل حقيبة طفل في الابتدائى على ظهره من ثقلها، لذلك تنحنى ظهور أطفالنا ليس من المناهج فحسب ولكن من ثقل الكتب ذاتها.

 

تعالوا نضع أيدينا على أساس المشكلة.. كثافة عالية في الفصول، ومناهج ضخمة تفوق الاستيعاب، ومدرس توقف علمه عند المرحلة الجامعية التى تخرج منها وقد تصل إلى عشرات السنين لذلك نجد الخريجين الجدد من كليات العلوم والهندسة يحتلون السناتر في الدروس الخصوصية وللثانوية العامة.. 


المطلوب ببساطة التركيز على الكيف لا الكم، فلا يعقل أن تبدأ الدروس الخصوصية من الأجازة الصيفية لطلاب الثانوية العامة في الرياضيات بفروعها المختلفة مثلا، ولا يستطيع أن ينهيها المدرس إلا قبل الامتحان بقليل، وتكون المفاجأة أن كليات الهندسة في السنة الإعدادى بها تظل تراجع بعضا من هذا المنهج الذى تحتاجه الدراسة، يعنى ما يتم دراسته في ثانوى يعاد مرة أخرى.


أما المواد الادبية لابد من فك الاشتباك الذى أراه هشا وعميقا في نفس الوقت، والمشكلة في كيفية إدارة الحوار والقدرة على التواصل والتوصيل، بصراحه قنوات الإتصال مسدودة بالشكوك وعدم الثقة.


مثلا لا يعقل أن يخرج الوزير معلنا إلغاء الفلسفة وعلم النفس في القسم الأدبي، والجيولوجيا في القسم العلمى علوم، وتحويل اللغة الثانية إلى خارج المجموع بكل سهولة ودون مبررات منطقية بعد إلغاء المنطق مبكرا قبل النقاش!

أسئلة مشروعة 

والمناقشة تكون بهدوء بطرح بعض الأسئلة السريعة التى تحتاج لنقاش معمق:
البداية إذا تم إلغاء الفلسفة وعلم النفس من الصف الثالث الثانوي في الثانوية العامة الشعبة الأدبية من العام الدراسي القادم.. فبماذا يتميز هذا الطالب عن القسم العلمى إذا كان سيشاركه كل المواد ماعدا التاريج والجغرافيا، أما الإحصاء فتندرج إلى الرياضيات التى يدرسها القسم العلمى.. 

هل بهذا الإسلوب يكون الحاصل على الثانوية العامة من القسم الأدبى قد حصل على الحد الادنى من العلوم الانسانية التى يرتكز عليها فى المرحلة الجامعية أو الحياتية؟


وهل يعنى الإلغاء عدم الأهمية أم تقليل عدد المواد؟ والحل إذا كان بسبب تقليل عدد المواد، فالحل بسيط، مثلما تم دمج الكيمياء والفيزياء في مادة العلوم المتكاملة (وهو خطأ لو تعلمون عظيم لإنها تخصصات دقيقة تحتاج لمدرس متخصص)، فمن الممكن أن تكون هناك مادة للعلوم الانسانية تضم الفلسفة وعلمى النفس والاجتماع باعتبارهم ركيزة أساسية لأى طالب في القسم الأدبى بعيدا عن الإلغاء، لأنه لا يمكن إلغاء علم أو طمسه من الوجود لمجرد حذفه من المناهج..

 

أما مادة الجيولوجيا فلا أعرف كيف يتم حذفها بدم بارد من القسم العلمى التى تشكل قسما كاملا من أقسام ثلاثة رئيسية في كليات العلوم، وهى علوم البيولوجى أى الأحياء والعلوم الطبيعة وهى الكيمياء والفيزياء والرياضيات وأخيرا علوم الجيولوجيا أى علوم الأرض.

 
كيف يتم الغاء علم يحتاجه جميع طلابنا في العلمي والأدبي معا لانه يربط الجغرافيا والبيئة بتاريخ المكان وبالهندسة الانشائية والكيمياء والفضاء.. ألخ من العلوم؟


ونقل الجيولوجيا من المواد الاساسية إلى غير المضافة إلى المجموع ثم الإلغاء يعنى أنه لا وجود لحوار أو أراء خبراء أو غير ذلك، فلا يعقل أن يتغير أراءهم بين عشية وضحاها، فالذى جعلنا  ندرسها منذ اكثر من 40 عاما ضمن مادة الأحياء في الثانوية العامة خبراء، والذى قررها مادة منفصلة خبراء أيضا، والذى نقلها إلى خانة المواد غير الاساسية خبراء، والذى قرر الإلغاء أخيرا خبراء أيضا.. من نصدق يرحمكم الله؟!


والغريب أيضا بدلا من تعليم أولادنا أكثر من لغة يتم إزاحة اللغة الثانية من مواد المجموع إلى خارجه، وقد ترسخ عندنا هذا السلوك بعدم أهميه مثل هذه المواد.

 


أيها السادة كيف نتحاور مع العالم الذى أصبح قرية صغيرة، كيف نفتح الأبواب للسياحة والاستثمار والتفاعل مع العالم وشبكات الانترنت والعلوم ونحن عاجزون عن التحدث معه بلغاته؟!
هذا لا يعنى أن المستوى العلمى مرضى وجيد في اللغات الاجنبية التى يختارها الطالب كمادة ثانية، وهذا ليس عيب من يدرسها بل من يقوم بتدريسها، وهناك كليات تشترط مثلا اللغة الفرنسية للدراسة بها مثل كليات الحقوق لآن القانون المصرى مستمد من القانون الفرنسي، فماذ سيفعل من يلتحق بمثل هذه الكليات.. وللحديث بقية 
yousrielsaid@yahoo.com

الجريدة الرسمية