رئيس التحرير
عصام كامل

من الآيات القرآنية الجامعة (2)

عزيزي القارئ كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن الآية القرآنية التي جمع فيها الحق عز وجل كل الأوامر والنواهي الإلهية التي أمر بها سبحانه وتعالى والتي تخطت الخٌمسمائة آيه، وهي الآية التي يقول فيها سبحانه "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ". (النحل: 90، 91)

 

وأشرنا إلى الشطر الأول وهو ما يتعلق بإقامة العدل بالمفهوم المطلق لكلمة العدل. وفي هذا المقال نتحدث عن الأمر الإلهي الثاني وهو الإحسان، ولنعرف الإحسان أولا.. الإحسان معناه الإجادة والإتقان في العمل الذي يقوم به العبد المؤمن حتى يبلغ إلى درجة الكمال. وهو ضد وعكس الإساءة.

 

والإحسان في القرآن له معنيان.. المعنى الأول هو الإحسان في عبادة الله تعالى، وعبادته سبحانه كأنه يرى، كما أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله في تعريف الإحسان، قال "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". 

 

والمعنى الثاني للإحسان هو الإحسان في جميع المعاملات مع جميع الخلق من البشر سواء كان مسلما أو غير مسلم. ومن غير البشر من الكائنات التي تعيش معنا على الأرض ومع الأرض نفسها التي نحيا عليها، هذا ومقام الإحسان هو المقام الذي يلي مقام الإيمان وهو ثمرة كمال الإيمان، وهو المقام الذي ينطلق منه خاصة أهل الإيمان للوصول إلى محبة الله تعالى ورضوانه، وهو حال الصالحين ودأب المحبين. 

 

هذا ولما كان للإحسان لما فيه من سمو حال للمؤمن وما فيه من الفضل العظيم أمر الله تعالى به عباده المؤمنين وحثهم عليه في آيات عديدة، منها قوله عز وجل "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ". وقوله تعالى "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". وقوله سبحانه "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا". 

وقوله تبارك في علاه "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".. 

 

هذا وللإحسان وجوه ومعاني كثيرة على رأسها الإحسان في توحيد الله تعالى وعبادته ويتأتي ذلك بالتوحيد الخالص وإخلاص الوجهة في عبادته سبحانه، وقصد وجهه تعالى الكريم والإقبال عليه عز وجل بخالص من الحب والصدق، وأن نرى فضله تعالى علينا وإحسانه إلينا منذ كنا نطفة في أرحام الأمهات وطيلة حياتنا الدنيوية حتى نلقاه سبحانه.

 

 

فمن الإحسان أن لا نرى لنا فضل فيما أقامنا فيه سبحانه من فضل، وأن ننسب الفضل إليه تعالى في كل شئ. هذا ومن الإحسان أن نُقر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالفضل فهو الذي جاءنا بالإسلام وهو الذي علمنا كيف نتخلق بأخلاقه ونتأدب بآدابه. 

ويجب أن نعظمه في قلوبنا ونوقره ونُجله في أنفسنا وأن نشكره على دوره العظيم في تبليغه للرسالة وأداءه للأمانة، ونصحه للأمة وكشفه للغمة وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها والتي لا يزيغ عنها إلا هالك.. عزيزي القارئ نستكمل الحديث بمشيئة الله تعالى عن الإحسان في مقالات تالية.

الجريدة الرسمية