رئيس التحرير
عصام كامل

تبريد الأموال الساخنة

 منذ أقل من عامين خرج وزير المالية السابق وكل خبراء الاقتصاد يحذرون من الأموال الساخنة ويؤكدون إننا تعلمنا الدرس، وذلك بعد التخارج السريع لأموال الأجانب في 2022، وما أعقبه من إنهيار الجنيه وإنتشار السوق السوداء وغيرها من الأزمات التي دفع ثمنها الاقتصاد والمواطن مع خروج أموال ساخنة بأكثر 20 مليار دولار..

 

وكانت مصر قد لجأت للأموال الساخنة باعتبارها الأسرع في التمويل ودعم سعر الجنيه، وهو الفخ الأكبر الذي وقعت فيه الحكومة، وفيما يبدو أننا لم نتعلم الدرس، فقد عادت إستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي، أو ما يعرف ب الأموال الساخنة، في التدفق على مصر من جديد، لتبلغ مستوى غير مسبوق، متجاوزة 30 مليار دولار.. 

 

لترتفع مرة أخرى حدة التحذيرات والمخاوف من تكرار أزمة الأموال الساخنة في مصر، لتعود إلى الذاكرة الأزمة التي تلت الحرب الروسية الأوكرانيا التي شهدت انسحاب 23 مليار دولار في غضون أشهر، بعد أن كانت تلك الأموال الساخنة قد تدفقت إلى البلاد بعد تعويم الجنيه في 2016.

 

لنرى تكرار نفس السيناريو السابق حيث تدفقت تلك الأموال بعد رفع سعر الفائدة بـ600 نقطة أساس في السادس في مارس الماضي، وما تلى ذلك من تراجع حاد في قيمة الجنيه، باتت مصر تقدم ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية بين 23 اقتصادًا ناميا، وبمتوسط عوائد يقترب من 30%.
 

والأخطر ارتفاع قيمة عقود مقايضة مخاطر التخلف عن السداد في مصر، التي يتم استخدامها للتأمين ضد مخاطر عدم السداد لتصبح أكبر نسبة صعود على مستوى العالم بعد الإكوادور، ومن المعروف أن الأموال الساخنة تدخل وتخرج بسرعة، وعادة ما تدخل عقب تحرير سعر الصرف بسعر ‏مرتفع بينما تخرج بسعر صرف مدعوم خاصة في ظل تثبيت الدولة لسعر الصرف وخطورتها.

 ‏
تكمن في سرعة خروج هذه الأموال في وقت الأزمات ما يؤدي إلى عدم استقرار في السوق، ويفاقم الأزمات الاقتصادية ويستنزف احتياطيات الدول من العملة الصعبة. لذلك، تُعتبر الأموال الساخنة وبالًا على دول العالم الثالث، حيث تمتص دماء اقتصاداتها وتزيد من هشاشتها في أوقات الأزمات.

 

 وحيث إن تجربتنا خلال الأعوام السابقة كانت سلبية فيجب ألا نفتح أذرعنا لها مرة أخرى، وقد آن الأوان لان تفرض مصر بعض القيود على خروج رءوس الأموال الساخنة، فلا يصح أن يلدغ بلد من نفس الأموال مرتين وذلك بوضع قيود زمنية لا يجوز أن يخرج قبلها رأس المال، أو قيود بفرض رسوم تخصم من رأس المال الساخن عند خروجه قبل مدة محددة أو غيرهما من قيود تحافظ على استقرار سوق رأس المال.. 

 

خاصة أن تلك الأموال هى استثمار لا يضيف للاقتصاد القومى أى قيمة، فهو كما يدخل يخرج ومعه أرباحه ولا يقيم مصانع أو مشروعات وشعاره هو (إكسب وإجرى) لان مدة بقاء الأموال الساخنة القصيرة جدا تحول دون الرهان على استخدامها فى تمويل مشروعات إنتاجية تستلزم زمنا طويلا.


كما أن الاستثمارات الساخنة في المضاربة على الأسهم دمار للاقتصاد، حيث يمتلك المستثمر الأجنبى القدرة المالية على العبث بأسواق الأسهم الصغيرة أى التى حجم التداول فيها بسيط يوميا، وبالتالى يستطيع أن يخلق أجواء مرتفعة ومنخفضة للأسهم لاستغلالها.. 

 

 

والخلاصة أن مصر تحتاج برنامجا إصلاحيا متكاملا له سمات ثلاث: أولاها، التحول من التنمية بالمشروعات إلى التنمية بالسياسات. ثانيتها، العمل على إطفاء الحرائق دون تقويض أعمدة البيت. وثالثتها، التمكين المؤسسى للقائمين على صنع وتنفيذ السياسات الاقتصادية.

الجريدة الرسمية