رئيس التحرير
عصام كامل

الاجتهاد الخاطئ في المواقيت

انتظرت حينا حتى يهدأ الجدل العبثي حول توقيت الحج وضرورة تغييره ليناسب التغيرات المناخية، وهذا تجرؤ على الفتيا والقول بغير علم، فضلا عن الخفة التي يتناول بها بعضهم أمر معلوم من الدين بالضرورة، حيث ينكر بعض الناس اجتماع الحجاج يوم عرفة خاصة على جبل عرفة، ويقولون: إن الحج جائز خلال الأشهر الحرم، وليس خاصًا بيوم عرفة (التاسع من ذي الحجة).. 

 

وبناء عليه يقترحون أن يوزّع الحج على الأشهر المعلومات؛ لكي نتفادى الزحام الذي يحدث كل عام، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} وبأن النبي صلى الله عليه وسلم- لم يحج مرة ثانية في نفس التوقيت؛ حتى نتأكد أنه أمر توقيفي أوحاه الله إليه. 

 

وفيما يبدو ان الفكرة كامنة في نفوس الكثيرين وبالأمس دعت إحداهن إلي الحج on line وبدعوي تجديد الدين، ينسلخون من الدين بدعاوي باطلة ومزيفة.

 
وقد حرم الإسلام النسئ وجاء في القرآن في سورة التوبة: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).. وهو حكم صريح لا مجال للاجتهاد. فالنسئ المحرم بالنص القرٱني هو تغير وتبديل الاشهر الحرم، وهذا مناط الخلاف حول فكرة تغيير موعد الحج أو شهر رمضان.. 

 

والآية الكريمة التي ذكرت (النسئ) نزلت في حجة الوداع، أي قبلها وطوال 23 عامًا صام النبي وحج في ميقات فصلي ثابت لم يتغير قط، الصيام في الخريف والحج في الشتاء، والآية بينت سبب التحريم قالت: (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا) تقصد الأشهر الحرم التي يحرم القتال فيها، وهو يناسب المعنى الأصلي المذموم محل التحريم.. 

 

ذلك أن الصيام والحج ركنان من أركان الإسلام في وقت محدد بنص القرآن لا يجوز تعديله إلا حسب امكانيات العبد، فالصوم (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وأما الحج (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، والقاعدة الأصلية (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).. 

 

كما ان الله يحب أن تؤتي رخصه واليسر غاية عليا من غايات الشريعة، ومقصد كريم من مقاصدها، وهو أساس وقاعدة لكل أمر شرعي تكليفي، ولهذا تكثر الإشارات الدالة على ذلك ومن الإشارات القرآنية على أن اليسر مقصد شرعي، قوله تعالى:{ومَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّين مِن حَرَجٍ}، وقوله {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} وقوله سبحانه:{لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا}.. 

 

ومن أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- الدالة على يسر الشريعة قوله: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة) وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما خُيِّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا"

 

ولنضرب لذلك مثالًا بالصيام، وهو الفريضة التي نزلت فيها أية اليسر:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسرَ ولَا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ} فقد رخَّص الله للمريض والمسافر الفطر في رمضان بشرط القضاء؛ فعلى الرغم مما في الصيام من مشقة إلا أنه فريضة يعاقب تاركها بلا عذر، وعليه فليس المقصود باليسر نفي كل مشقة، بتعطيل الفرائض، وإنما يراد به حقيقة “فـعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة”.. 

 

 

وهنا لابد من أعمال العقل ففريضة الحج لمن استطاع اليه سبيلا ومن لم يستطع سقطت عنه الفريضة، ولابد من إعادة النظر فى الأمور التنظيمية في شهور الصيف الملتهبة من تقليل الأعداد صيفا على سبيل المثال، وتظليل الممكن من ممرات المشاة خارج المخيمات، ذلك أن هناك حجاج يفقدون أماكن مخيماتهم لأسباب مختلفة فيجدون ممرات أو ساحات مظللة.. وغيره من الإجراءات التى يلجأ إليه المسؤولين عن شئون الحج ومن أصحاب الخبرات المتراكمة لدى المطوفين والعاملين ومن الحجاج أيضا..

الجريدة الرسمية