رئيس التحرير
عصام كامل

في عتمة النور

 في قرية هادئة على ضفاف نهر عتيق، عاش شعب بسيط هادئ، يمضي أيامه بين الصيد والزراعة، متكئا على بساطة الحياة وجهلها اللذيذ.

وذات يوم، استيقظ أهل القرية على مشهد غريب، فالشمس التي اعتادوا طلوعها، أشرقت ذلك اليوم بوهج ساطع لم يعهده أحد من قبل. ازداد ضوء الشمس يوما بعد يوم، حتى غطى القرية بأكملها ببريق ذهبي مبهر، حجب الرؤية عن الناس، وجعل المباني والطرقات تبدو كأنها تذوب في بحر من النور.

 

في البداية، شعر أهل القرية بسعادة غامرة، فظنوا أن إله الشمس قد أراد أن ينير حياتهم ويباركهم. لكن مع مرور الوقت، تحولت تلك السعادة إلى خوف وقلق، فلم يعد بإمكانهم رؤية بعضهم البعض، أو التمييز بين الأشياء، أو حتى ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.

 

حاول الحكماء والكهنة فهم ما يحدث، فظنوا أن غضبا إلهيا قد حل بالقرية، وأن عليهم تقديم قرابين لترضي الآلهة. لكن لم تجد تلك القرابين نفعا، وظلت الشمس تشع بضيائها المبهر الذي حجب العالم عنهم.

 

يوما بعد يوم، ازداد اليأس في قلوب أهل القرية، وبدأوا يفقدون الأمل. فلم يعد بإمكانهم العمل أو التواصل مع بعضهم البعض، وبدأ الجوع يهدد حياتهم.. في تلك اللحظات العصيبة، ظهر شاب من شباب القرية يدعى إدريس، والذي كان شابا ذكيا وفضوليا، لم يرض بالاستسلام لليأس، وقرر البحث عن حل للمشكلة.

 

سافر إدريس لأيام طويلة، بحثا عن حكيم أو ساحر يرشده لطريق الخلاص. واجه خلال رحلته العديد من المخاطر والصعاب، لكنه لم ييأس.. وأخيرا، وصل إلى كهف قديم في أعالي الجبال، سكنه حكيم عجوز يقال إنه يملك حكمة لا مثيل لها.

 

استقبل الحكيم إدريس بترحاب، واستمع لقصة قريته بصبر. ثم قال له: "إن ضوء الشمس المفرط ليس غضبا إلهيا، بل هو اختبار من الآلهة لمعرفة ما إذا كان الإنسان يستحق المعرفة المطلقة. فالمعرفة الزائدة قد لا تكون في صالح الإنسان دائما، فأحيانا يكون الجهل ببعض الأمور ألطف من المعرفة التي قد تؤدي إلى فقدان الأحبة أو حتى النفس".

 

أدرك إدريس حينها حكمة الحكيم، وعاد لقريته محملا بالنصيحة. شرح إدريس لأهل القرية ما قاله له الحكيم، ونصحهم بالتخلي عن رغبتهم في المعرفة المطلقة، والاكتفاء بما لديهم من معرفة بسيطة تمكنهم من العيش بسلام وسعادة.

 

في البداية، واجه إدريس بعض المعارضة من بعض أهل القرية، ممن كانوا متمسكين برغبتهم في معرفة سبب ضوء الشمس المفرط. لكن مع مرور الوقت، اقتنع معظم أهل القرية بنصيحة إدريس، وبدأوا بالتكيف مع حياتهم الجديدة.

 

 

تعلم أهل القرية العيش ببساطة، واكتفوا بالمعرفة التي تمكنهم من العيش بسلام مع بعضهم البعض ومع أنفسهم. وازدادت روابطهم ببعضهم البعض، وتعاونوا للتغلب على الصعاب التي واجهتهم.. ومع مرور الوقت، بدأ ضوء الشمس يقل تدريجيا، حتى عاد لطبيعته. وعاد أهل القرية لحياتهم السابقة، لكنهم لم ينسوا أبدا الدرس الذي تعلموه.

الجريدة الرسمية