بلد إجازات
بعد اجازة طويلة امتدّت لنحو أسبوعين يحصل المصريون على إجازة اليوم بذكرى 30 يونيو وسبقها يومي الجمعة والسبت، وقام البعض بضم الأربعاء وهكذا أصبح لدينا أكثر من إجازة رسمية لليوم الوطني.
وربما لا توجد دولة عربية أو إسلامية باستثناء السعودية وهي لها ظروف خاصة تمنح هذا العدد من الأيام كأجازة لعيد الأضحي.. كيف يمكن لدولة في العصر الحديث أن تغلق مؤسساتها وبنوكها وبورصتها من يوم الجمعة 14/ 6 حتى يوم الأحد 23/ 6 تسعة أيام كاملة، الدول العربية والإسلامية يحدد معظمها يومين أو ثلاثة فقط كأجازة لعيد الأضحى، ويومين فقط لعيد الفطر.
هذه الإجازات الطويلة تضر الاقتصاد والإنتاج والسياحة والأعمال، وقد اشتكى منها عديد القطاعات والاتحادات ومن غير المعقول أن تغلق دولة بأكملها لمدة 9 أيام؟ هل يعقل أن تغلق البنوك 9 أيام؟ هل يصح أن تغلق البورصة وتعزل عن العالم لـ 9 أيام؟ هل يستقيم مع أي عقل وأي منطق أن يتوقف الإنتاج والتصدير وتتوقف الموانئ 9 أيام؟
هل من العدل أن يدفع المستوردون 150 دولارا يوميا أرضية وغرامة عن كل كونتينر وتذهب هذه الأموال للخارج لشركات النقل البحري. والحاصل إن 9 أيام في 60 مليون عامل وعاملة بتساوى 540 مليون يوم عمل.. فرضا كل شخص ينتج بـ 100 ج باليوم يعني بنضيع 54 مليار جنيه بحد أدنى في إجازة.
فهل هذه تصرفات دولة وحكومة تريد أن تتقدم وتبني اقتصادا حقيقيا، هل هي من قبيل المباهاة أن نكون أكثر دولة في العالم تعطي إجازات للعاملين بها قطاعا عاما وخاصا؟ هل من المصلحة أن تتوقف مصالح خلق الله العملية والقانونية والعلمية والطبية لمدة 9 أيام؟
وأكثر من هذا فنحن لدينا عدة أيام للاحتفال بالعيد الوطني، وأكثر من مرة نصر 6 أكتوبر، واحتفالات ثورتى يناير و30 يونيو، وشم النسيم وعيد الميلاد المجيد ومعهما أعياد الفطر والأضحى ويضاف إلى كل ذلك أيام السبت والأحد من كل أسبوع أى 104 أيام.
ومع كثرة الإجازات تلك التى نحصل عليها، ما بين دينية ووطنية وتاريخية، وهى بالطبع غير الإجازات الأخرى المقررة السنوية والاعتيادية، والمرضية بينما الدول التى سبقتنا، والتى تتسابق معنا، هناك أيام معدودات للإجازات العامة، فيها عطلة نهاية الأسبوع، وعيد الاستقلال، وعيد دينى أو عيدان كل منهما يؤخد بيوم واحد.
و رغم مشروعية تلك الإجازات فإنها، لا تعكس الأحوال المصرية بدقة لأن المصيبة الكبرى في ضعف الإنتاجية، وشحوب قيمة العمل، وضعف الاستثمارات لأن الأجور والحوافز والأرباح تلتهم، وبشراهة كبيرة، كل الموارد المتاحة، مضافا لها الاستدانة من البنوك..
وهو ما يفسر ارتفاع قيمة الدين الداخلي ولكن الغريب في الحالة المصرية أكثر تعقيدا مما تبدو، فالواقع يقول لنا إن منح الإجازات يؤدى إلى توفير الكثير مما يجرى إهداره نتيجة تواجد العاملين في العمل بدليل ما حدث في مؤسسة الأهرام حينما كان الدكتور عبد المنعم سعيد رئيسا لمجلس الإدارة حين قرر جعل الإجازة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت..
هذا الغياب ليوم واحد إضافى أدى إلى فائض شهرى قدره ثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه أو 42 مليون جنيه خلال العام. جاء هذا الفائض- الذى توجه إلى الاستثمار لتوسيع أعمال المؤسسة- من الاستخدام المبالغ فيه للتليفونات، وعمليات نقل العاملين من وإلى المؤسسة، والاستخدام المسرف لدورات المياه والمصاعد، والاستهلاك للأدوات المكتبية والعروض الكثيرة على العيادة الطبية، وبقدر ما كان كل ذلك يمكن حسابه، فإن قيمة تفادى الخلافات والمنازعات، وعدم انتهاز الفرص، وعلى العكس إهدار ما هو متاح منها، كان من الصعب حسابها.