كلمة الحياة
محدش بيقدر
في صخب الحياة اليومية وضغوطها المستمرة، نجد أنفسنا محاصرين بين جدران تحديات لا تنتهي وأحزان تتراكم بلا هوادة، تتكدس همومنا وأثقالنا في قلوبنا، فتتراكم الأسرار التي لا نجرؤ على البوح بها لأحد.
قد نخيل لأنفسنا أحيانًا أن مشاركة هذه الأسرار مع الآخرين قد يخفف من وطأتها، لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها هي أن هناك أسرار لا ينبغي أن تخرج إلا لمن يفهمها بعمق ويحتويها بحنان، وهذا الشخص الوحيد هو الله، ففي سفر المزامير، يذكر الكتاب المقدس لنا صراحة: "أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ، لاَ يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ" (مزمور 55: 22).
هذه الآية تقدم لنا دعوة صريحة لنلقي بأحمالنا وهمومنا على الرب، لأنه الوحيد القادر على حملها وفهم أعماق قلوبنا، مهما كانت معقدة أو ثقيلة.
تحكى قصة شاب كان يعيش في مدينة صاخبة، تعج بالحياة والمشاغل، هذا الشاب، الذي نسميه أيمن، كان يواجه تحديات لا حصر لها، في كل صباح، يستيقظ ليجد نفسه غارقًا في بحر من المشكلات، سواء في عمله أو في علاقاته الشخصية، حاول أيمن مرارًا أن يتحدث مع أصدقائه وزملائه عن ما يثقل كاهله، ولكنه لم يجد منهم إلا الانتقاد وسوء الفهم، كان يشعر بأن لا أحد يفهمه أو يدرك حجم معاناته.
في إحدى الليالي الهادئة، بعد يوم طويل من الصراع الداخلي، قرر أيمن أن يجلس وحيدًا في غرفته. أطفأ الأضواء وأشعل شمعة صغيرة، وجلس يتأمل في الصمت، شعر بحاجة ملحة إلى الحديث، ولكن هذه المرة قرر أن يتحدث إلى الله، رفع قلبه بالصلاة، قائلًا: "يا رب، أنت تعرف كل ما في قلبي، أنت الوحيد الذي يستطيع أن يفهم ألمي ويعطي لروحي السلام".
كان أيمن يبكي بحرقة، لكنه شعر براحة غامرة بعد أن بكى، وكأن حمله الثقيل قد انزاح عنه ولم يعد يشعر بوحدته أو بآلمه الذي ظل يشعر به طويلًا ولم يشعر به أحد، والحمل الذي عاش طويلًا يحمله انزاح.
وبدأ أيمن يشعر بتغيير في حياته، بدأ يومه بالصلاة، يفرغ قلبه أمام الله قبل أن يواجه تحديات اليوم. وجد في الصلاة ملجأً وملاذًا، وكانت كلماته تتدفق بسهولة وصدق، لأنها كانت موجّهة لمن يفهمها حقًا.
تحدث أيمن مع صديقه المقرب، سامي، وشارك معه تجربته. قال له: "سامي، لقد أدركت أن هناك أسرارًا وأحزانًا لا يمكن أن أشاركها مع أي إنسان، مهما كان قريبًا، الله وحده هو الذي يفهمني ويشعر بآلامي، عندما ألقيت همومي عليه، شعرت براحة لم أشعر بها من قبل".
تعلم أيمن درسًا مهمًا: أن الله هو ملجأنا الحقيقي، الذي يسمع صرخات قلوبنا حتى وإن لم تخرج من شفاهنا، هو الذي يقدر وجعنا ويحتوي كل ما نمر به، لذا، يجب علينا أن نلجأ إلى الله بثقة ويقين أنه وحده السند والمعين.
يجب أن نتذكر دائمًا أن الله هو الذي يدعونا لنلقي عليه همومنا، وأنه لن يدعنا نتزعزع إلى الأبد، هو القادر على تحويل أوجاعنا إلى سلام، وآلامنا إلى راحة، لذا، لنحافظ على أسرارنا معه، لأنه هو الوحيد الذي يفهمها بعمق ويحتويها بحنان.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih