الكرد والكيان الصهيوني.. من البرزانيين إلى الأوجلانيين
محاولة لإزالة الالتباس (الحلقة الأخيرة)
بعد أن استعرضنا في الحلقات الأربع السابقة علاقة الكرد بالكيان الصهيوني، وأوضحنا كيف أن العلاقة اقتصرت على البرزانيين والصهاينة منذ نشأة الكيان الصهيوني، كشفنا عن أن هناك من الكرد من يرفض تلك العلاقة وفي مقدمة هؤلاء يأتي المناضل عبدالله أوجلان وحزب العمال ومناصروه.
وفي هذا المقال الأخير من السلسلة نستعرض العلاقة بين عبدالله أوجلان والحزب مع القضية الفلسطينية بأبعادها العملية والفكرية..
عبدالله أوجلان وحزب العمال والقضية الفلسطينية
في السبعينيات والثمانينيات، كانت المنطقة الغربية من بيروت والجنوب اللبناني وكذلك البقاع اللبناني مراكز رئيسية للنشاط الثوري والسياسي في المنطقة.. خلال هذه الفترة، نشأت علاقات قوية بين العديد من الحركات الثورية بما في ذلك حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان وفصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان.
أسس عبدالله أوجلان ورفاقه حزب العمال الكردستاني وأصبح قائده، وكان معنيًا بشكل كبير بالقضايا الثورية والعدل الاجتماعي؛ مما جعله يرى في القضية الفلسطينية معركةً مشتركةً ضد الإمبريالية والاستعمار.
مشاركة عناصر الحزب في معركة قلعة الشقيف
خلال اجتياح القوات الإسرائيلية للبنان في العام 1982، جرت واحدة من أهم المعارك في قلعة الشقيف، حيث كانت تتواجد مجموعة قتالية من حزب العمال الكردستاني، الذين تصدوا ببسالة وسطروا بطولات في التصدي للقوات الإسرائيلية، مثلت هذه المعركة تجسيدًا حيًا للتلاحم بين الحزب والمقاومة الفلسطينية.
وكانت لبنان قد شهدت تعاونًا واسعًا في المجال العسكري؛ حيث قدمت المقاومة الفلسطينية الدعم الكامل لحزب العمال بدءًا من التدريب العسكري لعناصر حزب العمال، وحتى إمداده بالسلاح.
الرؤية الفكرية لحزب العمال الكردستاني للصهيونية
إن القائد عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني ينظرون إلى الصهيونية كمشروع استعماري واستيطاني يسعى للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها الأصليين، ويعتبر الحزب أن الكفاح ضد الصهيونية هو جزء من الكفاح الأوسع ضد الإمبريالية والاستعمار، هذه الرؤية أدت إلى تعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني ورؤيته كحليف طبيعي في النضال ضد الظلم والاضطهاد.
الحلول المقترحة للصراع
من منظور حزب العمال الكردستاني، فإن الحل للصراع الفلسطيني الصهيوني يكمن في تحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة نظام ديمقراطي يعترف بحقوق جميع الشعوب في المنطقة، وفي هذا الإطار كثيرًا ما دعا القائد عبدالله أوجلان إلى حل الدولتين مع ضمان حقوق متساوية للفلسطينيين، كما يرى الحزب أن أي حل يجب أن يتضمن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
مفهوم الأمة الديمقراطية وحل الصراع
لكن بعدما طوَّر المفكر عبدالله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني مفهوم الأمة الديمقراطية، وأصبح يعتمد على فلسفة الحكم الذاتي والديمقراطية التشاركية، أصبح هذا المفهوم بمثابة نهج جديد لحل النزاعات الإثنية والقومية من خلال تعزيز التعاون والتعايش السلمي بين مختلف الشعوب والمجتمعات داخل إطار واحد.
ويرى عبدالله أوجلان أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمكن حله من خلال تطبيق مبادئ الأمة الديمقراطية. هذا النهج الذي يركز على بناء مجتمعات ديمقراطية محلية تتعايش في سلام وتعاون، بعيدًا عن السياسات القومية الضيقة التي تفضي إلى صراعات لا تنتهي.
ويدعو عبدالله أوجلان إلى إقامة نظام حكم ذاتي محلي في فلسطين، يسمح للفلسطينيين بالتمتع بكافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذا الحكم الذاتي يجب أن يكون جزءًا من هيكل أوسع يشمل جميع المكونات العرقية والدينية.
هذا النظام يعتمد الديمقراطية التشاركية التي تقوم على أساس المشاركة الفعالة لجميع فئات المجتمع في صنع القرار، بدلًا من النظام المركزي الصارم، يتم تبني نهج تشاركي يشمل المجالس المحلية واللجان الشعبية التي تعبر عن تطلعات وأصوات الجماهير.
ويشدد عبدالله أوجلان على أهمية بناء علاقات تعاونية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وجميع شعوب المنطقة، تعاون يشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ ما يفضي لخلق بيئة من الثقة المتبادلة وينهي الصراعات ويخفف من حدة التوترات.
ويركز عبدالله أوجلان في مشروع الأمة الديمقراطية، على ضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان العدالة الاجتماعية للجميع، ما يضمن الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وتعويضهم عن الخسائر التي تعرضوا لها.
ويسعى عبدالله أوجلان إلى تجاوز النزاعات القومية الضيقة، من خلال بناء هوية مشتركة تعتمد على القيم الإنسانية والديمقراطية. هذا النهج يساعد في تجاوز الكراهية والتحيز وبناء مجتمع متكامل ومتجانس.
إن رؤية عبدالله أوجلان لحل القضية الفلسطينية من منظور الأمة الديمقراطية تقدم نهجًا بديلًا يعتمد على الديمقراطية التشاركية والحكم الذاتي المحلي، من خلال تعزيز التعايش السلمي والتعاون بين جميع الشعوب في المنطقة، الذي يفضي إلى بناء مستقبل يعترف بحقوق الجميع ويحقق العدالة الاجتماعية والسلام الدائم.
خلاصة القول:
إن العلاقة بين حزب العمال الكردستاني والمقاومة الفلسطينية تعكس التقاء الأهداف الثورية والعداء المشترك ضد الإمبريالية والاستعمار، من خلال التعاون العسكري والفكري، سعى الطرفان إلى تعزيز قدراتهما في مواجهة التحديات المشتركة، مما أسفر عن روابط قوية استمرت على مدى العقود الماضية.