رئيس التحرير
عصام كامل

تعال.. أحكي لك قصة انقطاع الكهرباء والغاز الإسرائيلي!

نلاحظ يوميا ما يتسبب فيه نقص الغاز من مشكلات اقتصادية كبرى، من ضمنها توقف المصانع الكبرى عن الإنتاج؛ بما يعني خسائر اقتصادية واجتماعية تخص الدولة والعمال لا حصر لها، فضمن المصانع التي أعلنت وقف إنتاجها نجد شركة سيدي كرير للبتروكيماويات التي أعلنت أنه تم إيقاف مصانع الشركة نظرًا لانقطاع غازات التغذية.. كما أعلنت شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية أنه سيتم إيقاف ثلاثة من مصانعها، مع توقف بعض مصادر إمداد الغاز. 

 

وفي لقاء تليفزيوني يوم الثلاثاء الماضي ذكر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن مصر ستحتاج إلى استيراد ما قيمته نحو 1.18 مليار دولار من زيت الوقود والغاز الطبيعي من أجل التخفيف من انقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي تفاقم بسبب موجات الحر المتتالية. 

 

وما يهمني في حديث رئيس الوزراء ما ذكره عن أن الإنتاج في حقل غاز بإحدى الدول المجاورة توقف بشكل كامل لمدة 12 ساعة؛ مما أدى إلى انقطاع الإمدادات إلى مصر، دون أن يذكر اسم الدولة أو حقل الغاز. وأنا هنا أذكر أن هذه الدولة هي إسرائيل.. 

 

وأصل الحكاية أنه مع اكتشاف حقل ظهر للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، صار الأمل الكبير بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز أولا، والتحول إلى مركز  لتصدير الطاقة في شرق البحر المتوسط ثانيا. وقد تحقق الهدف الأول في عام 2018 مع تدفق الإنتاج من  حقل ظهر.. 

بينما لتحقيق الهدف الثاني وُقع اتفاق في العام ذاته بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات بين 3 شركات مصرية وإسرائيلية وأميركية لشراء الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين، وتوريده إلى مصر لإعادة تصديره مرة أخرى بعد إسالته في محطتي إسالة الغاز بدمياط وإدكو.

عزوف عن التوسع في الاستثمار 

إذا كان من المفترض أن يتم تصدير الغاز الإسرائيلي كاملا للخارج ولا ترتبط مصر باستهلاكه، ومع كمية المستخرج من حقل ظهر كانت مصر تصدر الغاز الإسرائيلي كاملا، وكان هناك فائض من الغاز في مصر؛ مما جعل الحكومة تناقش في عام 2021 عدة إجراءات لزيادة استهلاك الغاز محليا بدلا من المازوت والوقود المستورد.. 

ومن أبرزها منع ترخيص أي سيارة جديدة إلا بعد تحويلها لتكون صالحة لاستخدام الغاز الطبيعي، فضلا عن مشروع لتحويل كافة المخابز التي تعمل بالسولار، والبالغ عددها 30 ألف مخبز، للعمل بالغاز الطبيعي، لكن جاءت الحرب في أوكرانيا لتمثل هدية ذهبية لمصر وإسرائيل في ملف الغاز، حيث قررت الدول الأوروبية البحث عن بدائل للغاز الروسي الذي يمثل 40% من وارداتها الغازية.

 

سارعت الحكومة المصرية إلى تجميد مبادرة تحويل السيارات للعمل بالغاز، ومشروع تحويل المخابز للعمل بالغاز. وضمن جهودها لتكثيف تصدير الغاز إلى أوروبا لجلب إيرادات بالعملة الصعبة، قررت في عام 2022 التوسع في استخدام المازوت والسولار لتشغيل محطات الكهرباء بدلا من الغاز بهدف تصدير 15% من الغاز المخصص لمحطات الكهرباء..

 

وبالفعل صدرت مصر إلى أوروبا في عام 2022 ما يعادل 8 ملايين طن غاز، وهو ما جلب لها 8.4 مليارات دولار. في عام 2022، أنتجت إسرائيل 21.9 مليار متر مكعب من الغاز حيث أنتج حقل ليفياثان 11.4 مليار متر مكعب فيما أنتج حقل تمار 10.2 مليارات متر مكعب، وصدرت إسرائيل 5.8 مليارات متر مكعب إلى مصر.


ولكن وبسبب سوء استخدام حقل ظهر بالطاقة القصوى تراجعت إنتاجيته من نحو 7 مليارات قدم مكعبة يوميا إلى 5 مليارات قدم مكعبة فقط يوميا ثم 2.76 مليار قدم مكعبة يوميا ثم 2.3 مليار قدم مكعبة، إلى أن وصل الإنتاج إلى قيم ضعيفة مع العلم أنه ينتج 38% من إجمالي إنتاج مصر للغاز.

 

وتزامن ذلك مع عزوف شركات الغاز الأجنبية عن التوسع في الاستثمار بعمليات تنقيب واستكشاف جديدة في ظل تراكم مستحقاتها لدى مصر بما يتراوح بين 3 إلى 3.5 مليارات دولار. 

توقف حقل تمار

ومع اندلاع الحرب الحالية على غزة، طلبت وزارة الطاقة الإسرائيلية من شركة شيفرون المشغلة لحقل تمار الواقع على بعد 25 كيلومترا من غزة وقف الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض حجم الغاز المستورد من 800 مليون قدم مكعبة غاز يوميا إلى صفر، لذا كان انقطاع الكهرباء لمدة ساعتين يوميا في كافة محافظات مصر ثم ثلاث ساعات، فيما تصل الانقطاعات لـ6 ساعات في بعض القرى. 

 

وصاحب ذلك تخفيض كميات الغاز الموردة لمصانع الإسمنت بنسبة 30%، وهو ما دفع الحكومة للمرة الأولى لاستيراد شحنة غاز مسال من باكستان. ثم عاد ضخ الغاز الإسرائيلي مرة أخرى بصورة طبيعية إلى أن حدث عطل في حقل الاستخراج أدى إلى توقف الإنتاج وإمداد مصر 12 ساعة، وذلك في يوم الاثنين الماضي الذي شهد أكبر موجة انقطاع في الكهرباء في عموم مصر حتى عاد الحقل لإنتاجه، فخرج رئيس الوزراء الثلاثاء للاعتذار وتقديم خطة عاجلة للتخلص من تخفيف الأحمال. 


وطبعا نحن هنا لا نعترض على اتفاقيات اقتصادية وتجارية بين مصر وإسرائيل طالما ذلك في مصلحة مصر أولا ولا يضر بالأمن المصري على المدى المتوسط أو البعيد، لكن لا ينبغي دائما أن نضع أنفسنا تحت تصرفات دولة معادية وستظل كذلك.. 

 

فهذه الدولة تتخذ من الإجراءات - عندما تتاح لها الفرصة- ما يضعف من مصر ووقتها تضحي بعوائدها الاقتصادية في سبيل إضعاف مصر وصناعتها، فالقرار الإسرائيلي بتصفير صادرات الغاز لمصر في وقت وجود أزمة بالسوق المحلي يوضح خطورة ربط أمن الطاقة المصري بالغاز الوارد من إسرائيل.. 

 

 

وعادة ما تربط الدولة أمنها للطاقة بدول صديقة أو محايدة، لأن الارتباط بدول يوجد معها تاريخ من العداء والخلافات، يتيح لتلك الدول ممارسة ضغوط سياسية واستخدام الإمداد بالطاقة أداة ابتزاز لتلبية مصالحها.

الجريدة الرسمية