رئيس التحرير
عصام كامل

أيهما أقرب لله حج النافلة أم إعانة الفقراء والمرضى؟

كل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على كل المسلمين والعالمين باليمن والخير والبركات، وبهذه المناسبة استوقفني أمر يتعلق باقتصاديات الحج، وما ينفقه الحجاج على هذه الرحلة المباركة في هذا العام، فوجدت أنه يبلغ العدد الرسمي لحجاج هذا العام 56 ألف حاج، أما غير الرسمي فيزيد إلى 120 ألف بمن حصل على تأشيرة زيارة أو سياحة أو تأشيرة مفتوحة إلخ، وقصد التحايل للحج، ونحن لسنا بصدد الحديث في هل يجوز التحايل في أداء الحج أم لا؟!  

 

وإذا اتخذنا تكاليف حج الجمعيات الأهلية الحكومي متوسط لسعر الحج، فسنجد أن تكاليف الحج تصل إلى 200 ألف جنيه كمتوسط لأنه تبلغ تكلفة حج القرعة 149 ألف جنيه من دون تذكرة الطيران، التي تتراوح بين 35 و50 ألف جنيه. وحج الجمعيات الأهلية يتراوح سعره بين 151- 235 ألف جنيه من دون تذكرة الطيران. 

 

أما الحج السياحي فتتراوح تكلفته بين 190 – 450 ألف جنيه حسب الفئة، ولا يوجد حد أقصى لتكلفة الحج في مصر، وقد تصل إلى مبالغ باهظة. لذلك سنجعل متوسط التكلفة 200 ألف جنيه (مائتي ألف جنيه)، فإذا ضربنا هذا الرقم في عدد الحجاج 120 ألف حاج وحاجة يخرج لنا رقم ضخم يقارب 24 مليار جنيه هذا بدون هدايا أو أضحيات أو نفقات أخرى بما يرفع من الرقم إلى 30 مليار جنيه..

 

فلو طرحنا من هذا الرقم عدد الحجاج للمرة الأولى وهم يشكلون تقريبا 25% سيخرج لنا رقم يقارب 22 مليار جنيه ينفقها الحجاج العوَّاد بمعنى الذين أصبح الحج لهم نافلة وليس ركنا، لأنهم يؤدونه للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة الخ.

الواجب والفرض والنافلة


هنا استوقفني الأمر -وأنا لست من علماء الدين أو المتبحرين فيه ولكني أستفتي قلبي في ذلك- أليس من الأقرب إلى الله أن ينفق هؤلاء المتطوعون بالنافلة ذلك المبلغ في ما هو أقرب إلى الله وأحب، حيث يوجد في مصر المرضى الذين لا يجدون ما ينفقونه على العلاج، والجوعى واليتيمات اللائي يردن الإعفاف وتكاليف الزواج، والمساكين واليتامى والحالات الإنسانية الكثيرة جدا في كل ربوع مصر؟ 

 

أليس هذا الإنفاق يدخل تحت بند الواجب والفرض بينما الحج الثاني نافلة، والفرض والواجب مقدم على النافلة؟ وهل يسعد الإنسان عندما يحقق لنفسه متعة الحج وهو يرى جارا له أو قريب يعاني شظف العيش ولا يستطيع النفقة على أولاده أو علاج نفسه أو تزويج ابنته الخ؟ ولماذا يحرص بعض المسلمين على أن يحجوا كل عام، وربما حرصوا -مع ذلك- أن يعتمروا أيضًا في كل رمضان، مع ما في الحج في هذه السنين من زحام شديد، يسقط معه بعض الناس صرعى، من كثافة التزاحم وخاصة عند الطواف والسعي ورمي الجمار. 

 

أليس أولى بهؤلاء أن يبذلوا ما ينفقونه في حج النافلة، وعمرة التطوع، في مساعدة الفقراء والمساكين، أو في إعانة المشروعات الخيرية، والمؤسسات الإسلامية، التي كثيرًا ما يتوقف نشاطها، لعجز مواردها، وضيق ذات يدها؟ 

 

مع أن الله لا يقبل النافلة إذا كانت تؤدي إلى فعل محرم، لأن السلامة من إثم الحرام مقدمة على اكتساب مثوبة النافلة، فإذا كان يترتب على كثرة الحجاج المتطوعين إيذاء لكثير من المسلمين، من شدة الزحام مما يسبب غلبة المشقة، وانتشار الأمراض، وسقوط بعض الناس هلكى، حتى تدوسهم أقدام الحجيج وهم لا يشعرون، أو يشعرون ولا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا، كان الواجب هو تقليل الزحام ما وجد إلى ذلك سبيل، وأولى الخطوات في ذلك أن يمتنع الذين حجوا عدة مرات عن الحج ليفسحوا المجال لغيرهم، ممن لم يحج حجة الفريضة. 


وقد يتعلل البعض بأحاديث وردت في تكرار الحج والعمرة، لكن -وكما قال العلماء- عند تأمل هذه النصوص الشريفة نجد أنها تتناول استحباب تكرار التطوع بالحج والعمرة ما لم يترتب على ذلك تزاحم الحقوق في أموال المكلفين، وعدم كفاية الفقراء وإنعاش الاقتصاد ومواساة المحتاجين، وهى حقوق وواجبات شرعية واجتماعية، مع تخفيف حدة الزحام حتى يتمكن الحجاج الذين لم يسبق لهم أداء هذه المناسك لأدائها فى سهولة ويسر. 

الصدقة والتطوع بالحج

فإذا تكاثرت الحقوق وتزاحمت واشتدت الحاجة إلى أموال الأغنياء لمواساة الفقراء ونجدة المحتاجين، وكانت نفقات الحج والعمرة بحيث لو أُنفِقَت على الفقراء لقامت بكفايتهم وغيرت أحوالهم من الفقر إلى الكفاية، فإن أحب النفقة إلى الله تعالى حينئذ هو ما كان أنفع للناس وأجدى في صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم.. 

وكما جاء عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله ؟ وأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

"أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِى عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لى فِى حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِى هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِى مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ - وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ- مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِى حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَها لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ". 

 

والصدقة على الفقير وكفايته أولى من نافلة الحج والعمرة، لأنها عبادة متعديةَ النفع، وذلك بخلاف حج التطوع وعمرة التطوع؛ فنفعهما قاصر على صاحبهما، وقد راعى الشرع الإسلامي ترتيب الأولويات، فأمر عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية على القاصرة، والعامة على الخاصة، والناجزة على المتوقعة، والمتيقنة على الموهومة. 

 

 

ويؤيد ذلك نصوص السلف الصالح التي تواردت على أن الصدقة أفضل من التطوع بالحج والعمرة، قال الإمام الحسين بن على عليهما السلام: “لَأَنْ أَقُوتَ أَهْلَ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ صَاعًا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ كُلَّ يَوْمٍ صَاعَيْنِ شَهْرًا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةٍ في إِثْرِ حَجَّةٍ”.. 

بل سلك بعض السلف فى تفضيل الصدقة على التطوع بالحج والعمرة مسلكًا آخر، باعتبار أن الصدقة أبعد عن الرياء والسمعة؛ فأخرج الحافظ أبو نعيم فى حلية الأولياء عن الإمام بشر بن الحارث الحافى رحمه الله تعالى أنه قال: "الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد"، ثم قال: "ذاك يركب ويرجع ويراه الناس، وهذا يعطى سرًّا لا يراه إلا الله عز وجل". وأخيرا الله أعلى وأعلم وكل عام وحضراتكم بكل خير وسعادة وسرور.

الجريدة الرسمية