وفي يوم عرفة دروس وعبرٌ وأمنيات!
اليوم هو التاسع من ذي الحجة.. يقف الحجاج على عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة، إنه أعظم الأيام عند الله، فهو يوم الرحمة ويوم المغفرة ويوم العتق من النار.. يقول النبي عليه الصلاة والسلام «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ»..
وقد ورد في الصحيحين أن رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ جَاءَ إلى عُمَرَ رضي الله عنه فَقالَ: يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا نَزَلَتْ، مَعْشَرَ اليَهُودِ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا، قالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قالَ: "الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا"، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي لأَعْلَمُ اليومَ الذي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكانَ الذي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بعَرَفَاتٍ في يَومِ جُمُعَةٍ.
فهل سألنا أنفسنا ما الحكمة في وقوف الحجيج على جبل عرفة ولماذا قال عنه النبي الكريم:"الحج عرفة.. ولماذا هو ركن الحج الأعظم؟ والجواب: ما جمع الله أهل عرفة من أصقاع الأرض ومن كل فج عميق، وما ساقهم الله تعالى هذا المساق من اليمن ومن مصر ومن الجزائر ومن كل أطراف الأرض عربًا وعجمًا.. ما ساقهم الله تعالى هذا المساق إلا ليرحمهم بواسع رحمته!
فضل يوم عرفة
فما أعظم رحمة الله.. وما أحوجنا لتلك الرحمات.. فإذا كان الحجيج أقرب لرحمة الله بما قدموا في الحج من جهد بدني ومالي وصفاء قلبي، وتخيروا الزاد والراحلة من حلال، وقد تركوا الدنيا ومشاغلها وملذاتها وراء ظهورهم وتجردوا منها ابتغاء رضوان الله وغفرانه فاستحقوا الرحمات.. فماذا عن الذين لم يكتب الله لهم الحج هذا العام.. وكيف يتحصلون على رحمات الله؟
والجواب: إن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم كم يتحرق المحبون شوقًا لزيارة بيت الله الحرام وأداء الحج والعمرة لكن حالت بينهم وبينه ظروف يعلمها الله.. ولا تزال الفرصة قائمة، ويمكنهم تعويضها ولو بأقل العمل..
فصوم يوم عرفة وإخراج صدقة ولو قليلة للفقراء في أيام صعبة يكتوون فيها بنار الغلاء والجشع، أو صلة للأرحام في أوقات انشغل الناس بمطالب الحياة أو بالسوشيال ميديا وقطّعوا أرحامهم، واكتفوا برسائل الواتس أو الماسنجر أو غيرهما للاطمئنان على الأهل والأقارب وصلة الأرحام..
أو إصلاح ذات البين في وقت كثرت فيه المشاحنات والقطيعة بين الأهل والأقارب أو بابتسامة حانية لمن أصابهم الغم، أو بكلمة طيبة تجبر خاطر المنكسرين.. أو حتى بإزالة الأذى عن الطريق.. فأبواب الخير مفتوحة يسرها الله لمن أراد إليه سبيلًا.
دعاؤنا مخلصين في يوم عرفة أن يصلح الله أمة العرب والإسلام.. وأن يجمع شملها ويوحد كلمتها في مواجهة التحديات.. وأن يطعم أهلنا في غزة والسودان وأن يحقن دماءهم وأن يجمع شملهم وأن ينصرهم على عدوهم.
اللهم ارزقنا حكومةً تشعر بآلام الشعب وتترفق به فلا تحمله أعباء أخرى لا طاقة له بها.. اللهم ارزقنا حكومة تكف أيديها عن الجباية من جيوب المواطن، والاستدانة من الشرق والغرب حتى أصبح الدين وفوائده وأقساطه غولًا يلتهم شطرًا عظيمًا من الموازنة ولا يترك للخدمات من تعليم وصحة وغيرها ما تحتاجه وتفي باحتياجاته.
الله ارزقنا حكومة تعرف للرأي العام قدره فتحترمه وتصارحه بالحقائق في وقتها حتى لا تتركه نهبًا للشائعات من كل صوب وحدب..
يقول رسولنا الكريم «مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ».. ويقول أيضًا: "إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ"..
وقال أيضًأ "إنَّ اللهَ تعالَى يُباهي بأهلِ عرفاتٍ ملائكةَ السَّماءِ"، يقولُ: انظروا إلى عبادي، أتَوْني شُعثًا غُبرًا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، أُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم".. ما أعظم غفران الله وسعة رحمته!
اللهم عفوك ورضوانك وغفرانك ورحماتك.. كل عام وأمتنا بخير وسلام وأمان.