رئيس التحرير
عصام كامل

آفات الطريق إلى الله (2).. الإعجاب بالنفس

 الإعجاب بالنفس له تأثيرات سلبية، ومخاطر عظيمة على صاحبه، ويكفى في بيان خطورته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّه من المهلكات.. قال صلى الله عليه وسلم: ".. فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".

 

عندما يعجب المرء بنفسه -ولو في جزئية صغيرة- فإنه سيراها بعين التعظيم، فيثق بها ويتكل عليها في جلب النفع له في هذه الجزئية، وهذا لون خطير من ألوان الشرك.. يقول النووي: إعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العُجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) "البقرة: 264".

 

فإن قلت: ولماذا يحبط العُجب العمل الصالح؟! كان الجواب: لأن الله عز وجل لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه، واستُعين به سبحانه على أدائه، والمُعجب يستعين بنفسه أكثر مما يستعين بالله.. فالعُجب يحبط العمل الصالح الذي قارنه لأنه ينافي الإخلاص لله عز وجل.

 

كان المسيح عليه السلام يقول: يا معشر الحواريين كم من سراج قد أطفأته الريح، وكم من عابد قد أفسده العُجب.. ويطلق يحيى بن معاذ تحذيرًا شديدًا فيقول: إياكم والعُجب، فإن العُجب مهلكة لأهله، وإن العُجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. فالذي يبيت نائمًا ويصبح نادمًا، خير ممن يبيت قائمًا ويصبح مُعجبا.

 

قيل لابن المبارك: ما الذنب الذي لا يغفر؟ قال: العُجب.. وكان الصالحون يرون: أنه يموت مذنبًا نادمًا أحب إليهم من أن يموت مُعجبا. وجاء في الحديث عن أبو هريرة: "كان رجلان في بني إسرائيل متواخيان، وكان أحدهما مذنبًا والآخر مجتهدًا في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول أقصر.. فوجده يومًا على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبُعثت على رقيبًا؟!

فقال: والله لا يُغفر الله لك، أو: لا يدخلك الله الجنة، فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالمًا، أو كنت على ما في يدي قادرًا ؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار".

 

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من تعظم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان". وقال عليه الصلاة والسلام: "النادم ينتظر الرحمة، والمُعجب ينتظر المقت". لذلك قال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء فهو عند الله لا شيء.

 

وقال كعب لرجل رآه يتتبع الأحاديث بين الناس: اتق الله وإرض بالدون من المجالس، ولا تؤذ أحدًا، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العُجب ما زادك الله به إلا سفالًا ونقصًا.. وقيل للسيدة عائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئًا ؟ قالت: إذا ظن أنه محسن.

 

ومن خطورة العُجب أنه يوقع العبد فيما حذر منه يوسف بن الحسين للجنيد عندما قال له: لا أذاقك الله طعم نفسك فإن ذقتها لا تفلح. وفي رواية: فإنك إن ذقتها لم تذق بعدها خيرًا أبدًا.

 

 

وفي الأثر: قال الله عز وجل لداود عليه السلام: يا داود إني قد آليت على نفسي أن لا أثيب عبدًا من عبادي إلا عبدًا قد علمت من طلبه وإرادته وإلقاء كنفه بين يدي أنه لا غنى له عني، وأنه لا يطمئن إلى نفسه بنظرها وفعالها إلا وكلته إليها.. أضِف الأشياء إلي؛ فإني أنا مننت بها عليك.

الجريدة الرسمية