رئيس التحرير
عصام كامل

آفات الطريق إلى الله (1).. الكذب

الكذب هو رأس الخطايا وبدايتها، وهو أقصر الطرق إلى النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ، وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا".(رواه البخاري ومسلم).. والكذب إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه. وهو مذمومٌ عند كل العقلاء.

أما الكَذِبُ على اللهِ تعالى ورسولِه، فهو أعظَمُ أنواعِ الكَذِبِ، والكَذِبُ على اللهِ نوعانِ: النَّوعُ الأوَّلُ: أن يقولَ: قال اللهُ كذا، وهو يَكذِبُ.

والنَّوعُ الثَّاني: أن يُفَسِّرَ كلامَ اللهِ بغيرِ ما أراد اللهُ؛ لأنَّ المقصودَ من الكلامِ معناه، فإذا قال: أراد اللهُ بكذا كذا وكذا، فهو كاذِبٌ على اللهِ، شاهِدٌ على اللهِ بما لم يُرِدْه اللهُ عزَّ وجَلَّ، لكِنَّ الثَّانيَ إذا كان عن اجتهادٍ وأخطأَ في تفسيرِ الآيةِ، فإنَّ اللهَ تعالى يعفو عنه؛ لأنَّ اللهَ قال: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” (الحج: 78).

 

وقال: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” (البقرة: 286)، وأمَّا إذا تعمَّد أن يفسِّرَ كلامَ اللهِ بغيرِ ما أراد اللهُ، اتِّباعًا لهواه أو إرضاءً لمصالحَ أو ما أشبه ذلك، فإنَّه كاذِبٌ على اللهِ عزَّ وجَلَّ.. وقال تعالى: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ” (الأنعام: 93). 

 

وقال ابن سعدى: لا أحَدَ أعظَمُ ظُلمًا ولا أكبَرُ جُرمًا ممن كَذَب على اللهِ، بأن نسَب إلى اللهِ قولًا أو حُكمًا، وهو تعالى بريءٌ منه، وإنما كان هذا أظلَمَ الخلقِ؛ لأنَّ فيه من الكَذِبِ وتغييرِ الأديانِ أُصولِها وفروعِها ونسبةِ ذلك إلى اللهِ- ما هو من أكبَرِ المفاسِدِ.

 

ويدخُلُ في ذلك ادِّعاءُ الصلاح، والتقوى، وأنَّ اللهَ يوحي إليه، وهو كاذِبٌ في ذلك؛ فإنَّه - مع كَذِبِه على اللهِ، وجرأتِه على عظمتِه وسُلطانِه - يوجِبُ على الخَلقِ أن يتَّبِعوه، ويجاهِدُهم على ذلك، ويستَحِلُّ دِماءَ من خالفه وأموالَهم.

 

وقد أخبَرنا النَّبيُّ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، محذِّرًا ممَّن يدَّعون الدَّجَلَ والنُّبُوَّةَ بالكَذِبِ، فقال: "لا تقومُ السَّاعةُ حتى يُبعَثَ دجَّالون كذَّابون قريبًا من ثلاثين، كُلُّهم يزعُمُ أنَّه رسولُ اللهِ".

 

وقال الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "من كَذَب عَلَيَّ متعَمِّدًا فليتبوَّأْ مَقعَدَه من النَّارِ".. وذلك لأنَّ الكَذِبَ على النَّبيِّ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ليس مِثلَ الكَذِبِ على أحدٍ غيرِه؛ لأنَّ كلامَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تشريعٌ، وكلامَ غيرِه ليس كذلك؛ فالكَذِبُ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعظَمُ مَضرَّةً، وأوقَعُ فسادًا في نفوسِ المُسلِمين، وهو أشدُّ في الإثمِ من الكَذِبِ على غيرِه.

 

وقال رسول الله: "من حدَّث عنِّي حديثًا وهو يُرى أنَّه كَذِبٌ، فهو أحدُ الكاذِبين". وكفى بهذه الجملةِ وعيدًا شديدًا في حقِّ من روى الحديثَ فيظُنُّ أنَّه كَذِبٌ فضلًا عن أن يتحقَّقَ ذلك ولا يُبَيِّنَه؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعَل المحَدِّثَ بذلك مشاركًا لكاذبِه في وضعِه.

 

الكَذِبُ في الحديثِ بَيْنَ النَّاسِ: الكَذِبُ في الحديثِ الجاري بَيْنَ النَّاسِ؛ يقولُ: قُلتُ لفُلانٍ كذا. وهو لم يَقُلْه. قال فلانٌ كذا. وهو لم يَقُلْه. جاء فلانٌ. وهو لم يأتِ، وهكذا، هذا أيضًا محرَّمٌ ومن علاماتِ النِّفاقِ، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب..”

 

الكَذِبُ لإضحاكِ النَّاسِ: رُوِيَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: "وَيلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ؛ ليضحِكَ به القومَ، فيَكذِبُ، وَيلٌ له، وَيلٌ له!".

 

المبالغةُ في الإطراءِ والمدحِ: المُسلِمُ يجِبُ أن يحاذِرَ حينما يُثني على غيرِه، فلا يَذكُرُ إلَّا ما يَعلَمُ من خيرٍ، ولا يجنَحُ إلى المبالغةِ في تضخيمِ المحامِدِ، وتجاهل المساوئ، ومهما كان الممدوحُ جديرًا بالثَّناءِ فإنَّ المبالغةَ في إطرائِه ضَربٌ من الكَذِبِ المحرَّمِ.

 

فعن المقدادِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: "أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن نحثِيَ في وجوهِ المدَّاحين التُّرابَ".

 

الغش وكَذِبُ التَّاجِرِ في بيانِ سِلعتِه: عن عبدِ اللهِ بنِ أبي أوفى رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رجُلًا أقام سِلعةً في السُّوقِ فحَلَف فيها لقد أعطى بها ما لم يُعْطِه؛ ليوقِعَ فيها رجلًا من المُسلِمين، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا (آل عمران: 77).

 

وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ، ولا ينظُرُ إليهم: رجُلٌ حَلَف على سلعةٍ لقد أعطَى بها أكثَرَ ممَّا أعطَى وهو كاذبٌ، ورجُلٌ حَلَف على يمينٍ كاذبةٍ بعد العصرِ ليقتَطِعَ بها مالَ رجلٍ مُسلِمٍ...". 

 

 

فهذا بائعٌ حلَف كَذِبًا أنَّه اشترى سِلعةً بأكثَرَ من الثَّمَنِ الذي اشتراها به حقيقةً، ويريدُ أن يبيعَها به، فصدَّقه المشتري من أجلِ تلك اليمينِ، وهو كاذِبٌ فيها، والثَّاني: رجُلٌ حلَف كَذِبًا يدَّعي بذلك شيئًا من مالِ أخيه بغيرِ حَقٍّ، فيحلِفُ ليأخُذَ مالَ غيرِه الذي لا يحِلُّ له.

الجريدة الرسمية