عندما يتعجب الخالق من المخلوقات
ما أعجب أحوال الخلق.. لا يستقرون على حال، ولا يثبتون على رأي، ولا يلتمسون الأعذار لغيرهم.. ولا يحمدون الله على نعمه.. الكل شديد الإعجاب بعقله، لكنه ناقم على رزقه.. يرى رأيه سديدا، وعقله راجحا، وأنه أكثر الناس ذكاء، لكن ماله قليل، ودخله بسيط، لا يكفي احتياجاته.
يشغل نفسه بالآخرين.. ويتمنى أن تنتقل النعم التي في أيديهم إليه.. ولو فكر قليلا لعرف أن لديه من النعم أضعاف ما لدى غيره.. هو توزيع عادل، من الخالق الرازق.. يبسط هنا، ويقبض هناك.. يرزقك بهذه، ويمنع عنك تلك، لأنه أحكم الحاكمين.. لو بدل ما تحملت، ولو غير ما استطعت الحياة لحظة.
الاعتراض على الرزق رأس البلايا، وعدم الشكر على النعمة ذروة الخطايا، وبداية الطريق لارتكاب المحرمات، وحصد الذنوب.. لماذا نشغل أنفسنا ونحن سنعيش لحظات الموت وحدنا؟! وننازع سكرات الموت وحدنا؟! وسيحاسب كل إنسان على أفعاله هو فحسب!
عجيب أمر الناس.. إذا رأوك تضحك قالوا: طبعا، إنه لا يحمل أي هم.. وإذا رأوك تبكي، قالوا: إنه شخص ضعيف، لا يتحمل.. وإن رأوك تلبس ثيابا جميلة، قالوا: أكيد اغتنى من مال حرام.. وإن ارتديت ملابس دون المستوى، قالوا: إنه يخزي العين، ويخفي ثروته تحت البلاطة.
لا أحد يعلم ما بداخلك إلا الله وحده.. لا أحد يشعر بألمك إلا من خلقك.. ولا يشفيك من ألمك إلا المولى سبحانه.. ولا يداوي جرحك إلا هو.. ولا يعينك على نوائب الحياة ومتاعب الدنيا، ومصاعب العيش إلا الله.
الله، العلي القدير، تعجب من خلقه.. فقال في الحديث القدسي: عجبا لابن آدم، أخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر غيري!
خلاصة الأمر، أنني جربت كل المواقف، ومررت بكثير من التجارب، وكابدت ما لا يحصى من المتاعب، وعانيت ما لا يطاق من الآلام، وفي النهاية أدركت أن ما قدره الله هو الأفضل، وأن نعمه سبحانه أكثر من أن نوفيها الشكر، وأن ابتلاءاته أقل بكثير من قدرتنا على الاحتمال، وأن في كل ابتلاء نعمة، وتحت كل عسر يسرا، وأن أبشع خطيئة نكران الجميل، وجحود النعم، وأن الحسد يغضب الرب، والرضا طريق النجاة.
ربنا رحمن رحيم، ويستحيل أن يقسو على عبد من عباده بأن يحرمه من شيء، لكن هناك في المنع عطاء، لا يعلمه إلا الله، فإذا كنا نعبده دون أن نراه فلنشكره على ما لا نراه من العطاءات والمنح، والمزايا.. أما الكنز الذي لا يدري عنه الكثيرون شيئا فهو الصلاة على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. وهذا مجال حديث آخر.