شركة البلاستيك الأهلية.. شمس غابت عن قطاع الصناعة
أصابتنى حالة من الدهشة بل والصدمة حين علمت أنه يوجد في مصر أكثر من 5 آلاف مصنع لمنتجات ومواد البلاستيك لا يوجد بينها مصنع وطنى واحد تملكه الدولة، علمًا بأن حجم الاستهلاك من هذه المنتجات يقدر سنويا بأكثر من 10 مليارات دولار..
وأن حجم الإنتاج المحلى من اللدائن البلاستيكية يبلغ سنويا 2,3 مليون طن بما يمثل أكثر من 20 % من سوق اللدائن في قارة أفريقيا، وأن حجم الإستثمارات يقدر بنحو 7,5 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة إنتاج البلاستيك في مصر سنويا نحو 198 مليار، أما قيمة الصادرات من هذه المنتجات تتجاوز حاليا 1,8 مليار دولار.
ومن المثير للدهشة أن من نحو 60 % من المصانع العاملة في مصر في هذا المجال الصناعى الاستراتيجى هى مصانع بير سلم، ولا أدرى لماذا لا تسعى الحكومة وكل أجهزتها المعنية لتوفيق أوضاع تلك المصانع، للاستفادة من العائد الضريبى الكبير الذى سوف تجنيه جراء دخول هذه المصانع داخل المنظومة الضريبية.
ومن المؤلم أن تخرج الدولة من هذا المعترك الصناعى خالية الوفاض رغم أنها في أزمان كانت الرائدة في هذا القطاع، وفي هذا المقام أذكر واحدة من الشركات هى بمثابة صرح وطنى كبير والتى تم التفريط فيها بأبخس الأثمان، وهى شركة البلاستيك الأهلية التابعة للشركة القابضة الكيماوية..
حكاية شركة البلاستيك الأهلية
تم إنشاء شركة البلاستيك الأهلية سنة 1946، والتى كانت تتربع على عرش تلك الصناعة والتى كانت تمتلك أصولا هائلة تصل إلى 4 مصانع ضخمة أشهرها مصنع الجيزة، وقد سبق لهذه الشركة العريقة أن نالت جائزة دولية وهى جائزة الكوكب الذهبى العالمية، لأن إنتاجها يرقى إلى المستوى العالمى، وكانت تحقق مكاسب كبيرة وكانت أرباحها هى الأعلى بين جميع الشركات بلا منازع..
حيث بلغت أرباح شركة البلاستيك الأهلية عام 1976 نحو 6,8 مليون جنيه ثم ازدادت إلى 10,4 مليون جنيه عام 1978، وهى مبالغ هائلة في هذا التوقيت ثم مع بداية الثمانينات إمتدت إليها مخالب الفساد الذى نخر في عروقها فأصابها بالوهن والضعف، وتحولت من شركة رابحة إلى كيان هزيل يتعرض لخسائر، والتى بلغت في ظل فترة عاطف عبيد الذى كان يتولى وزارة قطاع الأعمال العام قبل أن يجلس على مقعد رئيس الوزراء نحو 28 مليون جنيه.
وبعد التعرض لهذه الخسائر تم تشكيل لجنة قانونية لتقييم أصول شركة البلاستيك الأهلية، والتى أظهرت أن مصنع الجيزة تصل قيمة الأرض الفضاء فقط به إلى 140 مليون جنيه، والمبانى 1,3 مليون جنيه، والآلات 32 مليون جنيه ومعدات المكاتب 1,6 مليون جنيه ووسائل النقل 1,4 مليون جنيه والمخزون 5,1 مليون جنيه وتم بيعها عام 2005 بقيمة 30 مليون جنيه فقط.
تؤكد تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات أن أصول الشركة تم التفريط فيها بمبالغ متواضعة للغاية، حيث تم تقييم الشركة عام 1997 بمبلغ 408 ملايين جنيه، وتم بيع باقى الأصول عام 2006 عن طريق رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية والدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار الأسبق، حين كانت شركات قطاع الأعمال العام تتبع وزارة الإستثمار آنذاك بمبلغ 106 ملايين جنيه فقط..
وقد تم بيع فرع شركة البلاستيك الأهلية بمصنع الجيزة بمبلغ 8,2 مليون جنيه بالتقسيط علي ثلاث سنوات علما بأنه سبق أن تم تقييم المصنع عام 1997 بمبلغ 220 مليون جنيه.
وأصل الحكاية إن أحد رجل الأعمال فكر فى شراء إحدى الشركات، ولم يجد صفقة رابحة مثل الشركة الأهلية للبلاستيك إحدى شركات قطاع الأعمال، والتى كانت تحقق أرباحًا خيالية وتم بالفعل إتمام الصفقة بأقل من قيمتها بـ 90 %، وذلك في عهد الدكتور محمود محيى الدين.
وقد تم تقديم العديد من البلاغات للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود فضلا عن قيام بعض النواب بمجلس الشعب بتقديم إستجوابات للدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار آنذاك وفى إحدى الجلسات، فقال الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب: "من سعيد الحظ الذى اشترى شركة البلاستيك الأهلية "..
وفي ظل سياسة الحزب الوطنى التى كانت تقوم على توفير الحماية المطلقة لكل أعضائه فقد تم التستر على كل هذه المهازل وضاعت الشركة الحكومية، وغابت شمسها التى كانت تمد الاقتصاد الوطنى بنور التنمية ودفء التقدم الصناعى، وتم تشربد عمالها وسيطر عليها رجل الأعمال المحظوظ!