المروحة وحقل ظهر.. وتخفيف الأحمال!
بعد إعلان قرار الشركة القابضة لكهرباء مصر بتعديل مواعيد خطة تخفيف الأحمال لتبدأ من الساعة الثالثة عصرا حتى السابعة مساء؛ لضمان سير الامتحانات الدراسية بصورة سليمة، وعدم وجود أي شكاوى من قبل وزارة التربية والتعليم، وأن جميع الشركات ستقوم بتطبيق الخطة الجديدة بدءا من الأربعاء الماضي الثامن من مايو، وحتى 20 يوليو المقبل وفق 4 مجموعات، تنقسم كل منها لمدة ساعتين عدا المجموعة الأخيرة ساعة واحدة فقط.
هنا تأتي تساؤلات المصريين، والتي لا يجدون عنها إجابات شافية من مصدر مسئول، ومن هذه التساؤلات: لماذا يتم تخفيف الأحمال وقد أعلنت الحكومة في أوقات سابقة أن مصر صار لديها فائض في الكهرباء وتصدره للخارج؟ وهل يكون التخفيف بسبب تصدير الغاز للخارج لتوفير عملة صعبة على حساب تحمل الشعب المصري لذلك التخفيف؟ أم أن ذلك التخفيف وراءه أسباب أخرى لا يعلمها الناس؟
ولما لم نجد الإجابة الشافية بحثنا حتى نصل إلى الأسباب الحقيقية وراء تخفيف الأحمال المستمر، والذي لا يعلم الناس متى ينتهي وقد وجدنا قرار وزارة البترول والثروة المعدنية بوقف صادرات الغاز الطبيعي المسال اعتبارا من مايو 2024، مرجعة ذلك القرار إلى ضمان أمن الطاقة المحلي خلال فصل الصيف، حيث يزداد الاستهلاك بشكل كبير.
ونجد التساؤل يظهر إذا كان القرار بوقف تصدير الغاز لتلبية الاحتياجات المحلية فأين إذا الإنتاج الضخم من حقل ظهر الذي اكتشف في عام 2015، وأشارت تقديرات حينها إلى احتوائه على 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز؟
وبالطبع فإنتاج هذا الحقل وحده يكفي الاكتفاء الذاتي مع التصدير كذلك وهو ما كان حادثا بالفعل طوال سنوات سابقة، حيث قد أعلنت مصر في عام 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، خصوصا مع بدء الإنتاج من حقل ظهر، حيث صدّرت بعد ذلك بثلاث سنوات، أول شحنة غاز مسال إلى أوروبا بعد توقف دام 8 أعوام. فما الذي حدث واستجد وجعل هناك أزمة في الغاز تستدعي عدم التصدير لمواجهة الاحتياجات المحلية بل والشروع الفعلي في الاستيراد؟
ضعف الإنتاج
الحقيقة التي لا يريد أحد الاقتراب منها أن إنتاج مصر تراجع بشدة من الغاز الطبيعي خاصة من حقل ظهر الذي كان يمثل الحلم لحل أزمة الطاقة لمصر وتوفير العملة الصعبة، فإنتاج هذا الحقل وفق الكثير من الخبراء قد تراجع تدريجيا بسبب سياسة التشغيل الخاطئة له، حيث تم تشغيله بصفة مستمرة عند الحد الأقصى اليومي؛ مما سبب له أضرارا بالغة..
كما يظل الإنسان يشغل مروحة مثلا على أقصى سرعة لها لأيام طويلة ستجد المروحة بدأت سرعتها تقل بالفعل حتى يحدث لها الضرار البالغ فتتوقف، وكان ينبغي مراعاة تشغيل الحقل بصورة مريحة يوميا وليس للحد الاقصى اليومي، فكانت النتيجة الطبيعية مثل مختلف حقول الغاز، انخفاض الإنتاج من 3.2 مليار قدم مكعب يوميا إلى 2.2 مليار قدم مكعب يوميا حاليا.
وبالتبعية انخفض إجمالي إنتاج مصر إلى 5 مليارات قدم مكعب في اليوم بعد أن كان بلغ متوسط إنتاج مصر من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليار قدم مكعب يوميا خلال العام المالي الماضي، وقبل عامين تقريبا، كانت مصر أحد أكبر مصدري الغاز في منطقة الشرق الأوسط، إذ بلغت صادراتها من الغاز الطبيعي والمسال في عام 2022، حوالي 10 مليارات دولار.
لكن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، تراجعت صادرات مصر من بنسبة 74 بالمائة، لتسجل مستوى 2.35 مليار دولار مقابل 7.94 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام 2022، حسب ما أظهرت بيانات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك؛ مما جعل بعض الخبراء يرجع أيضا سبب عدم الإقبال على التصدير إلى جانب انخفاض الإنتاج إلى تراجع الطلب العالمي على الغاز، خصوصا أن أوروبا عززت من مخزوناتها خلال العام الماضي بسبب التخوفات من تأثير الحرب في أوكرانيا.
لكن الحقيقة الواضحة هي أن عدم التصدير يرجع لسبب وحيد هو ضعف الإنتاج وبذلك تتحمل الحكومة مع الشركات المشغلة للحقل مسئولية ذلك، فقد طلبت الحكومة من الشركات المشغلة تشغيل الحقل بأقصى قدرة يومية لتحقيق مكاسب سريعة؛ مما أدى إلى ظهور المشكلات التي أثرت على الإنتاج، وتحتاج وقتا طويلا لعودة الحقل ليعمل بكفاءة كما كان..
ولذلك تضطر مصر لتخفيف الأحمال بل واستيراد الغاز، فقد اشترت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" مؤخرًا شحنة واحدة على الأقل على أن يتم تسليمها في الشهر الحالي للشركة ومن المحتمل أن يتبعها المزيد من الشحنات لتصل إلى ثلاث شحنات شهريا طوال أشهر الصيف.
أما تصدير مصر من الغاز فيقتصر حاليا على تصديرها الغاز المستورد من إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي بعد خضوعه لعمليات إسالة في المحطات المحلية وفقا للاتفاقيات في هذا الشأن، وحصول مصر على حقها من الإسالة والتصدير، لكن سيظل الإنتاج المحلي من الغاز في تراجع وبالتالي تظل خطة تخفيف الأحمال منفذة على الأقل حتى العام المقبل وهذا يرتبط بمدى التقدم في مشروعات تطوير الآبار الجديدة.