رسالة مصر.. التوقيت والدلالة.. وماذا سيفعل العرب؟!
إعلان مصر الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية خطوة يراها البعض متأخرة لكنها مهمة في توقيت حرج؛ لعدة أسباب أهمها أنها تفتح الباب أمام دول عربية وإسلامية أخرى للتحرك بصورة جماعية قوية، تشكل عامل ردع حاسمًا لعصابة اليمين المتطرف التي تحكم دولة الاحتلال، ولا تشبع من الدم والقتل والتدمير الممنهج بحق الأبرياء..
كما أنها تمنح قضاة المحكمة أسبابًا قوية إضافية لاتخاذ تدابير أكثر صرامة لمنع الإبادة الجماعية، واتخاذ خطوات أكثر حسمًا وجرأة لوقف الجرائم الإسرائيلية في القطاع والضفة.. بما تملكه مصر من خبرة دولية تؤهلها للترافع بقوة أمام تلك المحكمة تحديدًا، اعتمادًا على عناصر ذات كفاءة قانونية ودبلوماسية عالية لها سوابق ناجحة.
وربما تكون هذه الخطوة تمهيدًا لخطوات أخرى أكثر تأثيرًا ونفاذًا وطمأنة للمحكمة الجنائية الدولية للمضى قدمًا في استصدار أوامر توقيف واعتقال لمجرمى الحرب الإسرائيليين، في توقيت حساس مارست فيه أمريكا بلطجة سياسية، وصلت لحد تهديد مشرعين أمريكان وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب الأمريكي، باستهداف المدعى العام للجنائية الدولية إذا ما أصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وقادة جيشه.
لاشك أن انضمام القاهرة لدعوى جوهانسبرج خطوة مهمة رغم أنها تأخرت؛ فما تملكه مصر من خبرة تفاوضية وقانونية نجحت من خلالها من انتزاع طابا من أنياب المحتل الغاصب، بعد جولات تحكيم دولى غاية في الصعوبة والمشقة، وما تملكه من ثقل تاريخي ودبلوماسي وديموجرافي..
وبحسبانها دولة الجوار الأولى لغزة المحاصرة والمدمرة، والشقيقة الكبرى التي لا مفر من أن تتحمل دورها التاريخي في صدارة المشهد والنضال العربي ضد آلة القمع الإسرائيلية والإمبريالية العالمية والغطرسة الغربية ذات الازدواجية الفجة لاسيما عند التعامل مع الحقوق والقضايا العربية والإسلامية.
مثل هذه الخطوة تمثل دعم قوي للأشقاء الفسطينيين ورسالة تحذير لتل أبيب إذا ما تمادت في تجاوز الخطوط الحمراء، باستمرار العدوان الهمجي البربري الذي يهدد الأمن القومي المصري، كما يهدد بتصفية القضية الفلسطينية..
أمريكا وإسرائيل والجنائية الدولية
وأظن أن الرسالة وصلت للأمريكان فأعربوا عن استيائهم لما تفعل إسرائيل بإثارة غضب مصر، التي تبذل أقصى جهودها للتهدئة ووقف إطلاق النار والوصول لهدنة طويلة، يجرى بمقتضاها الإفراج عن الرهائن وإدخال المساعدات الإغاثية بكميات كافية للقطاع الذي يعانى مجاعة قاسية غير مسبوقة في التاريخ.
لا شك أن اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح الفلسطينية يمثل في رأيي تهديدًا وإجراءات تصعيدية من مصر ضد المحتل الغاصب، الذي تمادى في غيه وجرائمه حين أمن العقاب.
ورغم أن واشنطن تعلم يقينًا حجم الاستهداف المباشر والمتعمد للمدنيين وتدمير البنية التحتية في القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم، وما أنتجه ذلك من أزمة إنسانية غير مسبوقة وظروف غير قابلة للحياة في غزة، لكنها لا ترى ذلك يرقى لحد انتهاك أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
ويبقى أن المجتمع الدولى لابد أن يتحرك بسرعة خصوصًا مجلس الأمن لإلزام إسرائيل بموجب الفصل السابع بوقف الحرب فورًا، والقبول بالورقة المصرية في المفاوضات على أن يضاف إليها ضرورة الإفراج عن كل المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والذين لم يأت على ذكرهم الرئيس بايدن..
الذي يتبنى مطالب وسردية إسرائيل، ولا يرى إلا بعين واحدة هي عين الاحتلال البغيض، ولا يتحدث إلا عن المخطوفين أو الأسرى الإسرائيليين بينما يغفل عن عمد أكثر من 8 آلاف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال؛ الأمر الذي شجع نتنياهو على الاستمرار في القتل والعربدة والتخريب بغطاء أمريكى غربي مفضوح.
ليس أمام مصر إلا ممارسة واجبها ودورها في قيادة موقف عربي فاعل يطالب مجلس الأمن الدولي والأطراف الدولية المؤثرة، بضرورة التحرك الفوري لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والعمليات العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين..وكفانًا دماءً وأشلاء ودمارًا لن يغفره التاريخ.
ولن تتوقف إسرائيل إلا إذا شعر قادتها أنهم سيحاسبون أمام الجنائية الدولية عن جرائمهم بحسبانهم مجرمى حرب، مارسوا أبشع الجرائم في حق الإنسانية.. فهل نشهد تحركا عربيا وإسلاميًا جماعيًا لوقف جنون نتنياهو ومصاصي الدماء من يمينه المتطرف؟!