أين الفقراء من هذا البذخ؟!
قضاء حوائج الناس وسد حاجات المجتمع أولى من الحج والعمرة، هذه مقولة تتردد كثيرا في أوقات عدة، والحقيقة لست ممن يشجعون أو يدعون إلى كثرة أداء العمرة والحج، ليس فقط من قضاء حوائج الناس وسد حاجات المجتمع، ولكن لأسباب ربما لا تتعلق بما يدور في أذهان ممن يطالب بهذا الأمر، لأنى أرى الفرض يوجب تنفيذه عند المقدرة، ولابد من انعكاس التوابع على المجتمع من ارتقاء في المستوى الاخلاقى وإلا فلا فائدة من أى فريضة لا تهذب السلوك الانسانى..
في هذا الاطار قرأت رآى جدير بأن ينال الاهتمام من الذين يتصدون لهذه القضية، يقول الإمام الشيخ أحمد الطيب: إنتشر عدد المقولات، كقول بعض الناس: إتركوا الطواف حول الكعبة وطوفوا حول الفقراء"! وقول آخرين: التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها!، وقول غيرهم: لقمة في فم جائع أفضل من بناء ألف جامع!
أولًا: هذه الكلمات سواء كنت تعلم أو لا تعلم، الغرض منها هو تزهيد المسلمين في الشعائر الظاهرة التي يظهر بها شعار الإسلام ويتميزون بها عن غيرهم، أو أن من يطلق مثل هذه المقولات يجهل حقيقة الدين وأحكامه الحكيمة وترتيب الأولويات..
فالفقراء موجودون في كل زمان منذ عهد النبي صل الله عليه وسلم إلى زماننا ولم يقل أحد مثل هذا الكلام البارد، ثانيًا: أغلب من يكثرون من العمرة ممن وسع الله عليهم معروفون بالصدقة وبالتبرعات أيضا، إذ لا يحرص على العمرة غالبا ويكثر منها إلا من كان قلبه عامرا بالإيمان.
وهنا نتوقف لان كل ما قاله الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب يحتمل الخلاف، وهذا ما أراه، ولكن الجزء الثانى من تصريحات، أرى أنها أقوى بكثير مما أثير حول مطالبة الناس بعدم الذهاب إلى أداء الحج والعمرة وهناك الفقراء وحاجات للمجتمع يقول الامام الأكبر: لماذا لا تكون المقارنات إلا بين العمرة والأضحية وشعائر الإسلام وبناء المساجد؛ وبين الفقراء؟
لماذا لا يقال: لا تشترِ لحمًا مرتين في الأسبوع وإشترِي مرة واحدة في الشهر وطف حول الفقراء! لماذا لا يقال: لا تشربوا السجائر.. وإدفعوا ثمنها للفقراء؟! لماذا لا يقال: إتركوا قاعات الأفراح والأثمان الباهظة وطوفوا حول الفقراء؟ لماذا لا يقال إتركوا المصايف والتنزهات وطوفوا حول الفقراء؟! لماذا تنفق الأموال في الترف والغناء والأفلام والمسلسلات والمباريات والنت.. ولا تطوف هذه الأموال حول الفقراء؟! لماذا..! ولماذا...؟
سؤالنا نحن الآن لماذا لا تتركون لنا شعائرنا نتمتع بها؟ لماذا تقارنون بين عبادتين كلتاهما ذات فضل، وكأنه يراد للناس أن يتركوا كل شيء ويهتموا بعبادة واحدة! إن هذه الأسئلة تدبّر بالليل ممن يكيدون لهذا الدين، ثم تخرج بالنهار على المسلمين، فيتلقفها السذج منهم والذين ينخدعون بظاهر العبارة ورونقها ولا يعلمون ما وراءها من عوامل هدم شعائر الإسلام الظاهرة والخفية، ثم إن أكثر من يردد مثل هذه العبارات غالبًا لا يطوفون حول الكعبة، ولا حول الفقراء!
حق الفقراء
وخلاصة الإجابة عن السؤال أن الأضحية أفضل فحافظ عليها ولا تلتفت لهذه الدعوات التي تريد نفي شعائر المسلمين وإذهابها من الوجود، وإذا ذبحت الأضحية وكنت حريصًا على الفقراء بهذا القدر فوزع الأضحية جميعها أو أكثرها على الفقراء، أو تصدق أنت بمالك على الفقراء والمساكين.. وأترك لنا أضحيتنا، فإن أبيت وأبى ذهنك إلا أن تزهدنا في شعائرنا فاصمت والله المستعان قال تعالى: "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ".
انتهى رأى الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، ونكرر بعض ما ذكره يشاع أن 7 مليارات جنيه تقريبا صرفت على الدراما الرمضانية والتى لا علاقة لها بشهر رمضان، ولم يتحدث أحد عن حق الفقراء في هذه المبالغ الهائلة، تصرف مئات الملايين على شراء لاعبى كرة القدم ولم يتحدث أحد عن حق الفقراء..
هناك تبنى شقق وقصور لأفراد تتجاوز مئات الملايين من الجنيهات ولم يتحدث أحد عن حق الفقراء، تقام الحفلات وتصرف عليها الملايين ولم يتحدث عن حق الفقراء أحد، حولنا مظاهر كثيرة من الصرف غير مبرر للأفراد، والمؤسسات، والدولة، ولم نسمع عن حق الفقراء، إذن الذين يرفعون شعارات تطالب بوقف الحج والعمرة من أجل الفقراء عليهم أن يطالبوا كل هؤلاء أن يتذكروا الفقراء..
حتى إعلانات شهر رمضان في التلفزيون تتكلف مئات الملايين وربما تتجاوز المليارات، عندما ينتبه كل هؤلاء للفقراء فلن نكون محتاجين أن نطالب الناس بعدم أداء العمرة والحج، مع العلم أن العمرة والحج تفتح بيوت الالاف من العاملين في مجال السياحة.