صحافة الروبوتات قادمة
أود فى البداية أن أوضح أننى لا أقصد قط أي موقع إخباري أو منصة إخبارية بما ساطرحه في السطور التالية من ملاحظات، وفي الحقيقة أننى أقصد أغلب المواقع والمنصات مما يحزننى ككاتب وصحفى وورئيس تحرير سابق، ومؤسس ومشارك في تأسيس عدد لا بأس به من الصحف الأسبوعية واليومية، ولست هنا فى مجال ذكر أسمائها فأبناء المهنة يعرفونها..
هذا التوضيح ضرورى، وبخاصة بعد أن توارت إلى حد كبير الصحف الورقية، وإزاحتها إزاحة قوية الصحف الضوئية الإلكترونية.. وبحكم عملي وشغفى فإننى أتابع ما يكتب وما يبث أونلاين.. والكلمة الأخيرة هي الكارثة المؤكدة.
أونلاين يعني فورا وعلي النت يعني على التليفون، يعني بث الخبر في ثوان حتى تواجه المنافسة.. أونلاين الورقية كانت العدد اليومي، والعدد الأسبوعى، وكانت بعض المؤسسات لها اصدارات مسائية مثل المساء التى كانت لها صولات وجولات في عالم الرياضة، والأهرام المسائي.
أخطاء مهنية
لى ملاحظات فى ممارسة المهنة، وأعلم أن زملائي رؤساء التحرير القائمين على منصاتهم قادرون على تصحيح التحرير ليعود ممتعا مطابقا لبروتوكول الكتابة وقواعدها الصحيحة. أولا، بسبب السرعة الشديدة غابت الكتابة المهنية.
فينشرون الخبر وتدخل لتقرأ التفاصيل فلا تجد المكون الرئيسي للخبر الإ بعد عشرين أو ثلاثين سطرا، كلها تكرار لنفس الفقرات، حتى إذا بلغت المعلومة التى وردت في العنوان، اكتشفت أنها لم تكن تستحق كل هذه السطور الإلكترونية، لكن في الورقي كان الاختصار هو الحل السليم، إذ لا وقت ولا مساحة للثرثرة وإزهاق روح القارئ.
لم يعد الخبر المكتوب مطابقا لنظرية الأهم فالمهم فالأقل أهمية.. الهرم المقلوب.. أصبح ثرثرة مطولة، خالية ربما من المعلومة المراد معرفتها، معنى ما سبق أن الديسك غائب أو عاجز أو غير مكترث أو مضغوط، والأسباب يمكن أن أصل بها إلى مائة عذر لكنها جميعا لن تغفر لنا أننا نمزق قواعد التحرير.. وندمرها.
ثانيا، بسبب السرعة، وعدم المراجعة تتداخل الحروف، وتسقط قواعد النحو ويصير المجرور مرفوعا والمنصوب مرفوعا والمرفوع منصوبا، وفي بعض الحالات ستجد أن المصحح يحتاج مصححا!
ثالثا، تواصل بعض المواقع، وفي الحقيقة اغلبها نشر خبر عن أنباء سارة، سارة هذه نراها كل يوم في كل المواقع، فاذا هي مجرد تحسن في الطقس، أو إجازة، أو خلق حالة وزن على الناس بالعلاوات والزيادات علي المعاشات والمرتبات، أو -وهو ما يحزن حقا- أن تجدهم في حالة زفاف جماهيري لحساب وزارة التموين، مبشرين في عناوينهم بانخفاض في أسعار المواد الغذائية، وتقرأ الخبر وتدوخ حتى تصل إلى الفقرة التى فيها الانخفاض، الفقرة الخامسة مثلا، فتجد أن الضجيج والزغاريد والصاجات على أربعين قرشا، أو جنيه!
أين التدقيق يا زملائي الأعزاء؟ أين حلاوة الكتابة؟ أين الجملة السريعة المحملة بالمعلومة؟ لماذا الرطرطة؟ لماذا العنوان واعد بشئ ولا يوجد الشئ في متن الخبر؟ هل يجوز نشر خبر ميت بايت منذ ستة أيام وأنت صحافة الثانية الواحدة على الهواء؟ لعله سؤال غريب، هو كذلك، لكن هذا ما تفعله مواقع بالفعل، فالخبر بث من أسبوع ومع ذلك يتبادلون نشره يوميا، وخصوصا إذا تعلق بقوت الناس والزيادات، والحد الأدني.. ومواقع تبث وعودا وتنسبها لمصادر ولا تحدد اسم المسئول ولا المصدر..
أرجو مخلصا أن نتدارك هذه الأخطاء حفاظا على صلاحية المهنة واستمرارها، وحفاظا على دورنا في التأثير، وحتى لا يأخذنا الناس باستخفاف.. بمنتهى حسن النية سجلت ملاحظات على مهنتنا في ثوبها الضوئي.. وفى مرحلة لابد أن تقوي فيها وتستعد بالذكاء البشرى لمواجهة صحافة تصدرها الروبوتات قريبا!