رضا الناس غاية لا تدرك!
البر شيء هين؛ وجهٌ بشوش وكلام ليّن! أعظم ما في الدنيا سيرة طيبة تتركها في الدنيا لمن خلفك، ويكفى أن صلاح الآباء يكون سببًا في نجاة الأبناء يقول تعالى: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"! الفناء مآل البشر جميعًا.. لكن الأثر الطيب لا يفنى ولا يبلى، لا تطمسه السنون، ولا تغيره الدهور..
واقرأ إن شئت سير الخالدين الذين قدموا للبشرية ما ينفعها.. فهل نسى الناس المصلحين والمناضلين أصحاب المخترعات والمنجزات الكبرى!
حب الناس شيء عظيم ومطلوب، لكن رضاهم المطلق غاية لا تدرك، فلا تشغل نفسك بإرضاء الناس كلهم؛ فتلك غاية لا تدرك.. ولكن ما يمكن أن تدركه بأعمالك وأفعالك وسجاياك ومعاملاتك مع الآخرين أن تبتغي بكل عمل وجه الله فإن رضى الله عنك أرضى عنك الخلق..
وما عليك إلا أن تترك فيهم أثرًا طيبًا، يبقى من بعدك، ويكون لك إرثًا ممتدًا عبر الأزمان وعبر القلوب وعبر الحياة.. وكما قيل "البرّ شيء هينٌ؛ وجه بشوش وكلام ليّن"!
الأثر الطيب
وإذا أردت معرفة فضل الله ونعمه عليك فاقتطع جزءًا من وقتك وأذهب إلى مستشفى أو عيادة طبيب لترى أحوال المرضى ولتعلم أنك في فيض من النعم.. ولا يتحقق الناجح في الحياة إلا بحسن التوكل على الله والأخذ بالأسباب كما ينبغي والزهد في الدنيا..
سئل الإمام حسن البصري رحمه الله عن سر زهده في الدنيا فقال: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فشُغلت به وحدى، وعلمت أن الله مطلع علىَّ فاستحييت أن يراني على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي.
تُرى لو أنك فعلت ذلك هل تجد وقتا لاختلاق مشكلة مع غيرك، هل تترك نفسك لهواها وشيطانها.
واسأل نفسك دومًا لماذا شبّه الله الدنيا بالماء بقوله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا".(الكهف:45)..
يقول الإمام القرطبي رحمه الله قال بعض الحكماء شبّه الله تعالى الدنيا بالماء لأسباب عديدة؛ فالماء لا يستقر في موضع، كذلك الدنيا لا تبقى على حال واحدة، والماء يذهب ولا يبقى فكذلك الدنيا تفنى ولا تبقى، والماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتلّ، وكذلك الدنيا لا يسلم أحد من فتنتها وآفتها، والماء إذا كان بقدر كان نافعًا منبتًا، وإذا جاوز المقدار كان ضارًا مهلكا، وكذلك الدنيا الكفاف منها ينفع، وفضولها يضرّ، وقد يهلك..
نحن لا نرتب أماكن الأشخاص في قلوبنا.. بل تتولى ذلك أفعالهم وممارساتهم وسجاياهم، وكذلك فإن أفعالنا وتصرفاتنا هي المسئولة عن ترتيب أماكننا في قلوب الآخرين.
أن يكون لك أثر طيب بكل مكان، أثر باقٍ فهذا شيء طيب.. أن تكون لك ذكرى طيبة وبقايا ماثلة من صدق حروفك وأخلاقك.. إجعل خطواتك مستقيمة، وثق بالمولى ليبقى لك أثر جميل طيب في القلوب؛ فأثرك ليس حصرا على من تعرفهم، واجعل سلوكك قدوة حسنة لمن يراك، وازرع فيمن حولك حب الخير والإيثار والصفاء والعطاء والتماسك والتآزر والتكافل وجميل الصفات والأعمال والأقوال.
الخلاصة.. أننا سنرحل يومًا ويبقى الأثر.. فاللهم إجعل حصادنا من هذه الدنيا أثرًا طيبًا نُذْكَرَ به، واجعلنا اللهم من الشاكرين لعطائك الصابرين على قضائك، الفائزين برضوانك.