محافظ القاهرة.. هناك فرق
الفارق بين الدكتور عبد الرحيم شحاتة محافظا للقاهرة واللواء خالد عبد العال محافظا للقاهرة هو الفارق نفسه بين السماء وسابع أرض، فالأول كان نجمًا لامعًا والثانى مصباح قديم متهالك، لا ترى نوره حتى لو أضاء، وشحاتة كان صاحب قرار وعبد العال صاحب طريقة يمكن اختزالها تحت شعار اعمل قليلا تخطئ قليلا، وتوقف عن العمل لا يصبح لك أخطاء!
الراحل العظيم الدكتور عبد الرحيم شحاتة، كان يتمشى بين الناس بلا حراسات ولا زفات ويرتدي الملابس البسيطة ليُحَدث الجماهير في مكانها، وعادة ما كان يسر ليلا في مناطق لا أتصور أن يعرفها خالد عبد العال حتى تاريخه، وهو الذي يتنقل بين أحياء محافظته وسط جلبة من موكب رهيب بسيارات فارهة، دون أن يعفر قدميه الناعمتين بتراب أرصفة العاصمة التي تحتضر في عهده.
حكي لى الدكتور عبد الرحيم شحاتة- رحمه الله- أنه كان يتمشى بمقربة من كافتيريا المدينة بمحافظة الفيوم عندما كان محافظا لها، وكانت هناك فتاتان تتمشيان بجواره فقالت إحداهما له "هو إنت المحافظ؟" فأجاب “نعم أنا المحافظ فقالت الأخرى: ماتشوف لنا شغل بدل ما إحنا دايرين نتسكع في الشارع كدة”!
مضى المحافظ خطوتين ثم عاد إليهما واصطحبهما إلى مبنى المحافظة ودار نقاش معهما وعرف منهما أنها تخرجتا من مدرسة الصنايع الثانوية.. قال لي المحافظ إنه لم ينم ليلته وهو مشغول بفتاتين في عمر أولاده تتسكعان في الطريق بسبب البطالة.
في صبيحة اليوم التالى جمع عددا من أثرياء الفيوم ورجال أعمالها وطلب منهم أن ينشئوا مشغلا للفتيات.. الفتاتان التحقتا بالمشروع وبلغ عدد الفتيات العاملات بهذا المشغل ما يزيد عن الألف فتاة..
وذات مرة وعندما كان محافظا للقاهرة خرج ليلا وحده إلى منطقة زينهم وكانت عبارة عن عشش من الصفيح. رأي المحافظ بعيني رأسه امرأة تساعد ابنتها الطفلة التي يقترب عمرها من عشرة أعوام في "طشت غسيل" وهي عارية تماما ولا جدار يحميها من العيون..
ولم ينم عبد الرحيم شحاتة وفكر مليا في الأمر وكانت السيدة سوزان مبارك مقررا لها افتتاح وحدة صحية على مقربة من منطقة زينهم.. عجل الدكتور عبد الرحيم شحاتة من إنهاء المشروع واستقبال السيدة سوزان مبارك وعندما دخلت إلى الوحدة الصحية فتح الدكتور شحاتة ستائر الوحدة المطلة على عزبة زينهم فانزعجت سيدة مصر الأولى من المشهد وتألمت له، فصارحها بأنه يرغب في هدم المنطقة بكاملها وإنشائها من جديد تحت رعايتها ووافقت على الفور.
تواصل الدكتور عبد الرحيم شحاتة مع عدد من رجال الأعمال على رأسهم محمد منصور وإبراهيم كامل، وبعض البنوك وعلى رأسها البنك الأهلى، وشرع في هدم المنطقة وإعادة بنائها على شكلها الحضارى الحالي، وكان له ماخطط له باعتباره إنسانا راقيا يتألم لآلام الناس.
كان عبد الرحيم شحاتة يتجول في شوارع القاهرة داخل سيارة ميكروباص وضع بداخلها مكتب ايديال حديد ومعه رئيس الحى الذي يتجول فيه وأمامه أجندة يسجل فيها كل ماتقع عليه عيناه وكان يأمر رؤساء الأحياء بإزالة ستائر سياراتهم ليروا الشوارع والناس وما يجرى فيها.
عبد الرحيم شحاتة لا يزال حاضر الذكر في الفيوم وفي الجيزة وفي القاهرة لأنه لم يكن شريفا فقط بل كان عالما فذا وإداريا عبقريا، وصاحب رؤية، وصاحب قرار مهما كانت خطورته أو تعارضه مع مصالح الكبار، عارض شحاتة البناء على الأرض الزراعية عندما كان وزيرا للحكم المحلى فخرج من الوزارة ولا يزال يسكن قلوب الجميع.
هذا هو عبد الرحيم شحاتة فأين في الموقع منه خالد عبد العال؟ يقول المقربون من عبد العال إنه رجل شريف دون أن يقولوا إن الفساد في عهده بلغ الحنجرة، وكأن الشرف أصبح ميزة وحده، بها تصبح محافظا وإذا كان الرجل شريفا وهذا ما نظنه فأين هو من هموم أبناء العاصمة.. إنه يقف في مسافة بينه وبين الناس كما بين المشرق والمغرب.
الفارق بين شحاتة وعبد العال أن الأول رحل عن عالمنا ولا تزال سيرته حية باقية بما قدم، أما الثاني فقد رحل عن عالمنا رغم وجوده جسدا، لا يسير بين الناس فلا سيرة ولا مسيرة ولا نجاح ولا إنجاز إلا من إنجاز وحيد ووحيد فقط، أنك لو سألت مائة من سكان العاصمة عن اسم محافظ القاهرة سيرد عليك بلا تردد أنه لا يعرف اسمه ولا شكله ولا لونه ولا حجمه!