لماذا الإصرار على الجدل والخلاف؟!
التعصب لا يأتي بخير، والتعصب للرأي آفة كبرى.. والخلاف بداية التفرق والضعف.. يقول الله تعالى "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".. ماذا جنت الأمة من التعصب غير التطرف والإرهاب والتنازع والشقاق والتمزق والضعف.. هل لو كان رسول الله بيننا أكان يرضى بكل هذه الفرق والجماعات التي تتستر بالدين ويمارس بعضها العنف باسم الدين لدرجة أن يكفّر بعضها بعضًا؟!
بين الاختلاف والخلاف فارق كبير.. فالاختلاف من طبيعة الأشياء.. وهو أمر واقع ينطوى على التنوع والتعدد، ويقود إلى تلاقح الأفكار والتدافع بين الآراء واختلاف الحجج والبراهين.. وهو رحمة إذا كان بين العلماء الثقات في الشريعة والفقه؛ إذا اختلفوا في مسألة تتعلق بأمور حياتية..
أما الخلاف فيكون فى التنازع على الحقوق وتعارض المصالح والأهواء، وهو أمر غير مستحب لأنه يجلب الشقاق والتناحر ويقود للضعف وهو ما حذرنا منه الله تغالى بقوله: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ".
وحسنًا فعل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حين دعا عُلماء الأُمَّة؛ إلى أنْ يَنْهَضُوا -في غير إبطاءٍ- لتحقيق وحدةٍ عُلمائيَّة (نسبة إلى العلماء)، تجمعُ رموز الإسلام من سُنَّةٍ وشيعةٍ وإباضيَّة، وغيرهم مِمَّن هم مِن أهل القبلة.. فما أحوج الأمة أن يجتمع علماؤها بقلوبِهم ومَشاعرهم -قبلَ عقولِهم وعلومهم- على مائدةٍ واحدةٍ؛ لوضعِ حدودٍ فاصلةٍ بين ما يجبُ الاتِّفاق عليه، وما يصحُّ الاختلاف فيه..
دعوة الإمام الطيب
وأن نقتديَ في اختلافاتِنا باختلافِ الصحابة والتابعينَ، ذلكم الاختلافُ الذي أَثْرى العلومَ الإسلاميَّة، وحوَّلها إلى مَعِينٍ لا ينضَبُ من اليُسرِ واللطفِ والرحمةِ، وأن نُوصدَ البابَ في وجهِ اختلافاتنا المعاصرة، التي أورثَتْنا الكثيرَ من الشِّقاقِ والنِّزاعِ والضَّغائن والأحقاد، وقدَّمَتْنا لُقمةً سائغة للأعداء والمتربِّصين.
هذه دعوة طيبة من الإمام الطيب؛ فلابد لعلماء الأمة من كل المشارب أن يجتمعوا لتدارس ما يستجد في واقعها من قضايا ومشكلات تستنزف الطاقات وتهدر الجهود.. فهل يعقل أن يثار في كل عام في رمضان نفس السؤال: هل نخرج زكاة الفطر نقودًا أم حبوبًا..
وتتجدد الإجابات بين فريقين؛ أحدهما يتمسك بنص الحديث النبوى الذي رواه ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"..
وفريق يقول يجوز إخراجها نقدًا وعلى رأسه دار الإفتاء التي قالت: إنه يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا، وهو مذهب الحنفية وجماعة من التابعين وطائفة من العلماء لأن مقصود الزكاة الإغناء وسدُّ حاجة الفقراء، وهو متحقق بالطعام والنقد، وعلى ذلك يكون لا بأس إذا أخرج الناس الزكاة نقودا أو حبوبا فلا بأس في الاثنين..
والسؤال: إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتكرر الجدل في كل عام.. ولماذا لا يجتمع علماء المسلمين من كل الأقطار ليحسموا هذا الجدل منعًا للخلاف؟!
أتصور أن دعوة شيخ الأزهر خطوة مهمة على طريق الخروج من الجدل الذي لا يفيد.. وخطوة على طريق الاجتهاد الفقهى المطلوب لمتابعة مستجدات العصر بما لا يخل بروح الشرع!
تحية تقدير لشيخ الأزهر الإمام الطيب الذي لا يكف عن بذل الجهود لتعزيز قيم التعايش والأخوة الإنسانية والتقارب بين الأديان، جنبًا إلى جنب توحيد الأمة الإسلامية على كلمة جامعة للخروج من الخلافات والانقسامات التي تضر أكثر مما تنفع.