عليه الصلاة والسلام
مع أيام شهر الصوم والخير والبركات تتوالى الذكريات الروحية والنفحات الربانية التي أرادها الله، سبحانه وتعالي، دون مقدمات أو ترتيبات. في واحدة من زيارات الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وقبيل وقفة عرفات بأيام قلائل وكنا في مكة المكرمة ننتظر حتي يوم التروية والصعود إلى مشعر مني ومن بعدها عرفات لأداء فريضة الحج، ناداني هاتف بداخلي..
محفزا لي على الذهاب الى المدينة المنورة لزيارة المصطفي عليه الصلاة والسلام، وأداء صلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف، تلك المناداة كانت عقب أدائي صلاة فجر الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة.
تاقت نفسي بشدة وتفاعلت مع هذا الهاتف المحبب، وزاد من تشوقي وولعي بالتمني بزيارة المسجد النبوي، أن خطة زيارتي للملكة العربية السعودية في ذلك العام، لم تكن تتضمن زيارة المدينة المنورة عقب أداء فريضة الحج بسبب ارتباطات متداخلة في العمل وحجوزات الطيران وأماكن الإقامة.
احترت مع نفسي حول ذلك الهاتف، وهل من سبيل لتحقق ما تضمنه هذا الهاتف.. للوهلة الأولي، ومع أبسط التقديرات شعرت بعوائق عدة تقف حائلا أمام رغبتي الذهاب للمدينة المنورة.
تصريح مجاملة
أولا.. السلطات السعودية اعتادت سنويا تحديد مهلة لدخول الوافدين لأداء الفريضة، تنتهي قبيل موعد الحج بأيام قليلة، تقوم بعدها بإغلاق الموانئ والمطارات في مدينتي جدة، المدينة المنورة، وتمنع الدخول الى المدينة المنورة وتصبح الوجهة الوحيدة المتاحة أمام زوار بيت الله الحرام هي مكة المكرمة فقط.
الأمر الثاني.. كانت هناك استحالة في الوصول الى المدينة المنورة من مكة المكرمة، في السويعات القليلة المتبقية حيثما كنت أحادث نفسي، وأوان صلاة الجمعة، فقد ولدت فكرة الذهاب الى المدينة المنورة وداعبني الأمل بينما كانت الساعة قد جاوزت السابعة صباحا..
وبأي حسابات حتى لو تم تجاوز باقي المعوقات فالمدة الزمنية الباقية (أقل من خمس ساعات) لا تكفي، فالمسافة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ست ساعات بالسيارة.
وفجأة وجدت الحل لكل العقبات، بشكل لم أكن اتخيله أو أرتب له.. فعقبة منع الدخول الي المدينة المنورة للزائرين، تم حلها بتدخل مباشر من اللواء محمد طاهر حجاب نائب رئيس بعثة الحج المصرية ورئيس بعثة حج القرعة، فقد تصادف أن كان بمكتبه في تلك الساعة المبكرة من فجر ذلك اليوم، ووجدتني أفاتحه في الأمر..
فأجري اتصالات سريعة بمسئولي الحج بالجانب السعودي أسفرت عن استخراج تصريح مجاملة لدخول المدينة المنورة، في الوقت ذاته قمت بالاتصال هاتفيا بالخطوط الجوية السعودية وتأكدت من وجود عدة رحلات بين مدينتي جدة والمدينة المنورة تقلع من جدة وتهبط في مطار المدينة قبيل وقت صلاة الظهر بوقت مناسب..
أما العقبة الثالثة فقد زللها اللواء حجاب أيضا، أخبرني أن سيارة من البعثة ستتوجه إلى مطار جدة بعد أقل من ساعة لشحن بعض المستندات على الطائرة المتوجهة للقاهرة (كانت الساعة قد جاوزت الثامنة والنصف تقريبا) وطالبني بأن استعد للركوب بها حتي مطار جدة للحاق بالطائرة المتوجهة إلى المدينة المنورة.
لحظات وكنت في سيارة بعثة وزارة الداخلية المصرية، ولم تمضي ساعة إلا وكنت أمام موظف قطع التذاكر بالصالة المخصصة لشركة الخطوط الجوية السعودية، كانت الساعة قد اقتربت من التاسعة والنصف، قدمت له مستند زيارة المجاملة لدخول المدينة المنورة، وطلبت حجز تذكرة إلى المدينة المنورة.. فوجئت به يقول: الطيارة قفلت.
قلت: ماذا؟
قال: بثقة الطائرة أغلقت.. يعني ما ينفع حدا يحجز عليها.. الركاب دخلوا صالة الإنتظار وسلموا حقائبهم. وأضاف: هناك طائرة اخري تقلع السادسة مساء يمكنك الحجز عليها!
بدت كلمات الموظف وكإنها قطع من الحجارة الثقيلة سقطت فوق رأسي. ولا أعلم من أين جاءني اليقين الذى كنت أتحدث به قلت: لأ فيه رحلة تانية بعد ساعة!
رد الرجل باستغراب وقال: ايش تقول إنت!
وشعرت ان الرجل تأدب وكان يريد أن يتهمني بالجنون.. فقلت له بثقة: دور في طيارة تانية الساعة القادمة.
تعجب الرجل ولكنه وبلا اكتراث، بدا يقلب في شاشة الكمبيوتر أمامه.. وفوجئت به يقول: فعلا.. فيه طيارة الساعة 11.00 صباحا، وتناول هويتي وبطاقة المجاملة، وبعد أن سددت قيمة التذكرة، سلمني أوراقي وقالي إحضر بعد نصف ساعة لحين دخول المسافرين.
أقلعت الطائرة من مطار جدة في موعدها المحدد الساعة 11.00 صباحا، ووصلت بعد أقل من نصف ساعة إلى المدينة المنورة، ومن أمام مطار الأمير محمد بن عبد العزيز ركبت سيارة تاكسي وصلت إلي محيط المسجد الحرام بعد أقل من عشر دقائق، لأستمع الى صوت مقيم الشعائر بالمسجد النبوي يؤذن لصلاة الجمعة.
وباتت هذه الزيارة من بين الزيارات المحببة إلى نفسي التي شاء المولي سبحانه وتعالي أن يهبني القدرة على زيارة المسجد النبوي والصلاة والتسليم على سيد الخلق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.