جريمة في شارع المعز!
بعد ليلة شتوية عاصفة، حيث الرياح المندفعة لا تلوي على شيء والمطر يهطل بكثافة، والبشر يتحصنون بالأغطية الثقيلة والمشروبات الساخنة لمواجهة الجو المتقلب، تقترب الساعة من الرابعة فجرًا، ولا يوجد في شارع المعز التاريخي سوى بعض القطط الضالة التي تتجول بين الأزقة، قبل أن يشق السكونَ عم طه وهو يجر عربة الفول في بطء.
ورغم الطريق الزلق، يقف كعادته في وسط الشارع، يشعل النار، ويبدأ عمليات تصنيع الفول، مُضيفًا إليه المطلوب، ومُزيّنًا إياه بالطماطم والبقدونس، بينما يُنشِد أغنيته المفضلة للمطرب محمد قنديل بمزاجٍ مُبهج:
يا حلو صبح يا حلو طل..
يا حلو صبح نهارنا فول.. (بدلا من فل)
فجأة، هز صوت صراخ أرجاء الشارع، فهرع عم طه إلى مصدره، ليجد شابًا ممددًا على الأرض، غارقًا في الدماء، وبه طعنات متفرقة في جسده النحيف! تحول الشارع إلى خلية نحل، الجريمة مفزعة والجميع يتسابق لمعرفة ماذا حدث!
الشرطة موجودة على مدار الساعة، وصلت في دقائق من تلقيها البلاغ وطوقت المنطقة، وبدأت جمع الأدلة.. عثر رجال التحري على محفظة القتيل التي احتوت على بطاقة هويته وبعض المال. اسمه كريم، طالب جامعي في كلية الآداب، وبسؤال الجيران ورصد الأدلة والتحريات جاءت المعلومات لتقول إن الشاب مغترب من وجه بحري، من عائلة متوسطة الحال، في آخر سنة من الكلية.
وبعد التحقيق مع عائلة كريم وأصدقائه، إكتشفت الشرطة أنه لا يعاني أي عداوة مع أحد، كما لم يكن يمتهن نشاطًا مشبوهًا، وليس مدمنًا للكيف.
اكتنفت الجريمة بالغموض، في ظل غياب الدافع لها أو وجود أي آثار تقود إلى الجاني، لكن في أثناء فحص كتب ومذكرات كريم، لاحظ رئيس المباحث في أجندته رسالة معنونة بكلمة فضفضة، وسطورًا متباعدة، هنا سطر، وفي الصفحة التالية سطر أو سطران، فظل يجمع في السطور حتى توصل إلى طرف خيط!
حل لغز الجريمة
اجتمع رئيس المباحث مع معاونيه والمخبرين وسأل عن فتاة تدعى نهى، وكانت المفاجأة أن هناك أكثر من فتاة تحمل اسم نهى في حياة الشاب، كل واحدة لها قصة وحكاية، وبعد تحريات واستجوابات ومناقشات اكتشف المحقق القاتلة من بينهم، جمع مذكرات كريم وناقش الفتيات ووضعها أمام رئيس النيابة، فماذا كان في فضفضة كريم والسطور المتباعدة؟
السطور المتباعدة كانت تقول “أنا من عائلة محافظة على الصلاة يا نهى.. مش ممكن أقع تاني ولازم أمشي.. بس إزاى؟! أنت ممكن فعلا تفضحيني أمام أسرتي وزملائي.. كيف الخلاص؟!”.
المحقق وضع عدة خطوط تحت كلمات الشاب، يبدو أنه كان يعاني صراعا داخليا بين أمر سقط فيه رغم إرادته، وتربيته وأخلاقه التي كان يجب أن تحول بينه وبين ذلك.
وبالبحث في تاريخ علاقاته النسائية، كانت الجديرة بالشك طالبة جامعية مثله اسمها نهى، كانا يُشاهدان معًا باستمرار، مظهرها الباذخ وسهراتها اليومية لا يناسب رقة حال أسرتها وظروفها الاجتماعية، وعندما تتبعها رجال المباحث اكتشفوا أنها تقضي سهرات حمراء مع من يدفع أكثر! وبحصارها والتضييق عليها اعترفت بكل شيء!
كريم، الذي أتى من عائلة محافظة ولا خبرات لديه، انبهر بها، ولم يكن يعرف حقيقة عملها، ولم يكن له أمل في التحدث حتى إليها إذ إن جمالها أعلى مما يحلم به، ومع ذلك ظل يلاحقها بنظراته حتى أحست به، ورأت في سذاجته فرصة لاستغلاله!
وبالفعل تبسَّطت الفتاة مع كريم، وأوهمته بالحب، بل سلمت نفسها له، ولما أصبح لا يمكنه التخلي عنها، بدأت تبتعد عنه، ولا ترد على رسائله واتصالاته حتى كاد يجن! وعندما تيقنت أنه وقع في الفخ تمامًا ولم يعد بإمكانه الإفلات منه عادت إليه بشرط أن يساعدها في توزيع الحشيش الذي تحصل عليه من أحد زبائنها، وأمام شهوة الجسد وانعدام خبرته، رضخ كريم وأصبح يوزع ما تأتي به إليه!
واستمرت الأمور على هذا النحو، والفتى ينحدر يوما بعد يوم في المستنقع، ويعاني صراعا نفسيا مدمرا، انعكس على نحول جسده وإهماله دراسته وبعده عن أي مظهر للتدين!
وجاءت النهاية عندما قرر كريم فجأة الخروج من هذه الدائرة الجهنمية أيا ما كان الثمن، ففاجأ نهى في بيتها دون موعد، ليجدها بين أحضان أحد زبائنها، فجن جنونه وحاول قتلها، إلا أنها كانت الأسبق فقتلته هي وعشيقها ثم تخلصا من جثته في شارع المعز!