بالمؤمنين رؤوف رحيم (5)
خالد محمد خالد مفكرٌ مصريٌّ معاصرٌ، وهو مؤلف كتاب "رجال حول الرسول" الذي كان سبب شهرته، كما أنه ألف عدة كتب تتحدث عن السيرة النبوية وأعلام الصحابة.. يقول خالد محمد خالد في كتابه "إنسانيات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم":
"نرى الإنسان الذي يكتب لملوك الأرض طالبًا منهم نبذ غرورهم الباطل ثم يُصغي في حفاوة ورضا لأعرابي حافي القدمين يقول في جهالة: اعدل يا محمد، فليس المال مالك ولا مال أبيك. نرى العابد الأواب الذي يقف في صلاته، يتلو سورة طويلة من القرآن في انتشاء وغبطة لا يُقايض عليهما بملء الأرض تيجانًا وذهبًا..
ثم لا يلبث أن يسمع بكاء طفل رضيع، كانت أمه تصلي خلف الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، فيضحي بغبطته الكبرى وحبوره الجياش وينهي صلاته على عجل رحمة بالرضيع الذي يبكي وينادي أمه ببكائه. نرى الإنسان الذي يجمع الحطب لأصحابه في بعض أسفارهم ليستوقدوه نارًا تُنْضج لهم الطعام، والذي يرتجف حين يبصر دابة تحمل على ظهرها أكثر مما تطيق، والذي يحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويخصف نعله".
عظمة خُلُق سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم
كثيرة هي الوقائع التي تبرز عظمة خُلُق سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وتميزه بذلك الخلق العظيم الذي أثنى عليه ربنا جل جلاله في قوله تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، ذاك الخُلُق لم يكن مستغربًا من رجل عرف في قومه قبل بعثته نبيا ورسولا إلى العالمين بالأمانة والطيبة وحسن المعشر.
الجانب الإنساني في شخصية سيد خلق الله، صلى الله عليه وسلم، هو جانب لا ينفك عن عظمة الدين الذي جاء به هدى للعالمين، والذي هو رسالة خير ورحمة وسعادة للناس جميعًا.
ردَّ الابن إلى والديه
إن بسمة تعلو شفتي أب حنون، وتكسو وجه أم متلهفة، لا تُباع عند سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بثمن، حتى حين يكون الثمن جهادًا يثبِّتُ الدعوة، وينشر في الآفاق البعيدة رايتَها، وهكذا رأيناه يرد إلى والدين دامعين ابنًا لهما جاء يبايعه على الجهاد، ويقول له: "ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما".
إن رحمة النفس لا تتم عند النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا برحمة الوالدين وبرهما لأنهما مصدرُ هذه النفس ووعاؤها، ثم تنتشر الرحمة عند سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم حتى يغطي دفؤها كل مقرور، وحتى تشمل كل الأحياء جميعًا من إنسان وحيوان، وفي المواطن التي تعظم فيها الحاجة إليها، نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يركز إلحاحه عليها..
فمثلًا، إذا حثَّ على الرحمة بالطفل، يُركز بصورة أشد على الطفل اليتيم، وإذا حث على الرحمة بالحيوان وهو يعمل، يركز بصورة أوفى على الرحمة بالحيوان وهو يُذبح، وهكذا يدور قلبه الكبير مع دواعي الرحمة حيث تدور.