خيل الحكومة
ردود أفعال متباينة -كثير منها ساخط- على مقالي السابق، المعنون: آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز. هؤلاء فهموا أنني أدعو إلى معاملة الكبار معاملة خيل الحكومة التي يتردد أن مصيرها الإعدام رميًا بالرصاص، عندما تصل إلى مرحلة عمرية لا تستطيع فيها أداء أدوارها المطلوبة منها لنقص الحيوية وقلة النشاط نظرا للضعف والوهن في خريف العمر.
الحقيقة أنني لا أعني ذلك.. ولكن ألا تلاحظون معي أن العواجيز في مصر، بالذات، لا يريدون أن يمنحوا الشباب فرصة؟! يحدث هذا رغم أن القيادة السياسية تدعو وتعمل جاهدة من أجل تمكين الشباب في المناصب المهمة، ومفاصل الدولة.
من يحيون في خريف العمر لا ينتبهون لحكم السن، والزمن.. حتى المثل الشعبي الذي يقول: هناخد زماننا وزمن غيرنا؟! لا وجود له في حياتهم. ومع ذلك فإن كثيرًا من رجال الأعمال والمليونيرات والمخترعين والأدباء والمفكرين لم تظهر عبقريتهم إلا بعد الستين، وكثيرا ما تتحقق النجاحات بعد التقاعد، تلك السن التي يعتقد معظم الناس أنها بداية النهاية، وأنها إشارة إلى اقتراب الرحيل.
الفيلسوف والأديب الألماني يوهان جوته، أنجز رائعته الشهيرة فاوست، بعد أن تخطى الثمانين. ويقول الكاتب والروائي الأمريكي هنري ميلر إن للحياة وجوهًا كثيرة ومتنوعة تُظهر نضارة العمر، وتبدل الشيخوخة بالربيع.
لا أنكر حكمة الشيوخ، ورزانة الكبار، لكن لنعترف بأن الطاقة توشك على النفاد، والحيوية تخبو، والقدرة على العطاء البدني، وبذل المجهود تتراجع بوضوح مع التقدم في العمر. ويرى المفكر الكبير توفيق الحكيم: أن الشيخوخة هى تناقص الحيوية. فهل تصلح القيادة مع عدم القدرة على العطاء البدني؟! وهل يستطيع منهوك القوى تصدر صفوف من هم أصح بدنيا؟!
تمكين الشباب
لنفترض، جدلا، أن الأكبر سنًّا أكثر خبرة، ليكن.. أليس الأفضل أن يتنحى عن مركز القيادة، مع استمراره في تقديم المشورة وإسداء النصح للشباب ممن هم أقدر بدنيا؟!
علينا أن نكرم كبار السن، وألا ننسى عطاءاتهم وإنجازاتهم وحسناتهم وعدم بخلهم بالجهد والعرق على مدى سنوات شبابهم.. إلا أنهم يجب أن يتراجعوا، عن اقتناع تام، خطوة إلى الوراء، لإفساح المجال أمام الشباب، وإعطائهم فرصتهم. ولن يتحقق النجاح للقيادات الشابة إلا في وجود الكبار، ذوي الخبرة والحنكة ممن عركتهم التجربة وصقلتهم السنون.
أنا ضد نكران الجميل، ونسيان الحسنات وتحطيم الرموز وتشويه النجاحات وأدعو دائما إلى مبدأ البناء على ما سبق، والاستفادة بما حققه السابقون.
عادة متأصلة، وظاهرة متكررة لدى المصريين، وهي حرص المسئول على أن ينسب النجاح إلى نفسه ولشخصه، زاعما أن ما تحقق كان بفضل عبقريته وحده.. ولا فضل لأحد في الإنجاز سواه..
حتى أن المعابد الفرعونية عرفت لجوء بعض الحكام إلى طمس اللوحات التي توثِّق انتصارات الملوك السابقين، وتغطيتها بلوحات جديدة تنسب نفس الانتصارات إلى الحاكم الجديد!
وختاما؛ لا تضربوا خيل الحكومة بالرصاص، ولا تهيلوا التراب على إنجازات سابقيكم.. ولكن "آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز".
