ساخرون، حكاوي زمان.. أحمد بهاء الدين يكتب: عندما يفسد الجمال الوظيفة
فى مجلة صباح الخير عام 1957 كتب الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين مقالا قال فيه: هل الفائدة شرط أساسى فى الشيء ليكون جميلا؟ الذين يقولون إن الجمال شيء لا علاقة له بالفائدة، وإن الشيء الجميل قد يكون غير مفيد على الإطلاق يضربون لذلك مثلا فى العادة فيقولون: انظر إلى جمال المرأة والموسيقى والأزهار والمناظر الطبيعية، وهم لا يعرفون أن هذه الأشياء كلها جميلة حقًّا، وأن جمالها يهز الأعماق بالفعل لأنها أشياء مفيدة.
إن كون الشيء مفيدا معناه أنه يلبى رغبة نشعر بها فى نفوسنا ونحتاج إليها، فالمرأة مثلا تلبى رغبة عميقة في نفس الرجل هى رغبة الحب والجنس، وهى تلبى هذه الرغبة على درجات، فبمجرد جلوس الرجل مع المرأة وحديثها معه يحمل إليه شعورا غير شعوره إذا كان جالسا مع رجل مثله، وكلما كانت المرأة جميلة كلما كان تأديتها لهذه الفائدة وتلبيتها لهذه الرغبة أعمق وأكمل، أي أن جمال المرأة يجعلها أقدر على القيام بوظيفتها وإتمام الفائدة المطلوبة منها.
والموسيقى والعطور والمناظر الطبيعية جمالها أيضًا يغذى الحواس كما يغذيها الحب، بل إنه في رأى كثير من العلماء يغذى حواس الجنس بالذات، وهذا يفسر كيف أن الرجل كثيرًا ما يحيط لقاءه مع المرأة بالموسيقى، أو يتأمل مشاهد الطبيعة، وهذا يعنى قولنا إن هذه المرأة جميلة لكنها باردة، معنى ذلك أن جمال المرأة مفرغ من فائدته.. إذ إنه لا يثير فى نفوسنا وحواسنا ما يجب أن تثيره المرأة الجميلة، وهذه النظرة تنطبق أيضًا على الفن، فالأدب مثلا يجب أن يكون جميلا.. ولكن جماله يجب أن يكون مقترنا بوظيفة، يجب أن يكون جماله سلاحا فى المعركة التى يقوم بها الأدب، وإلا كان الأدب أجوف الجمال فاقد الروح.
وكان الفرق بين الأدب المفيد وبينه كالفرق بين الجسد الحى والجسد المصنوع من الرخام والمبالغة فى أداء الوظيفة يفسد الجمال، لأنه يفسد الوظيفة نفسها، فالمرأة الجميلة إذا بالغت فى وظيفتها فتبهرجت وبالغت فى عرض نفسها على الرجل سرعان ما يعافها ذوق الرجل ويصفها بأنها امرأة رخيصة، كذلك فى الأدب إذا بالغت القصة مثلا فى دورها الاجتماعى فأسرفت فى الوعظ والخطب الحماسية تصبح ثقيلة ممجوجة، أو تصبح رخيصة.. تماما كالمرأة الرخيصة.