رئيس التحرير
عصام كامل

ساخرون، حكاوي زمان.. محمود السعدنى وذكريات ساعة من الرعب فى أول رحلة طيران

حكاوى زمان، فيتو
حكاوى زمان، فيتو

في مجلة صباح الخير عام 1968 كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى مقالا قال فيه:
في عام 1955 قدر لى أن أركب الطائرة لأول مرة، وكانت أول رحلة لى إلى الأقصر، وعندما تسلمت التذكرة شعرت أنى تسلمت تصريح دفنى، فقد كانت الطائرة في نظرى هى علامة الموت ولا شيء سواه، المصير الأغبر والأسود الذى سأنتهى إليه..

 

ستصير جثتى بعد لحظة من الطيران طعاما لسمك النيل، أو خطافا لدود الأرض، ولن يُعثر لى على أثر، وسأذهب قبل الأوان شأن العباقرة والعظماء. وكان رجل هندى مخبول قد قرأ كفى أيام الحرب العالمية الثانية، وقال لى وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح: «ستحقق كل أمانيك فى الحياة وستصل إلى قمة المجد سريعا لكنك ستموت قبل أن تصل إلى الأربعين»، وكنت وقتها فى الخامسة عشرة من عمرى.

 

وعندما بدأت الأيام تزحف بى نحو الأربعين راح خوفى يزداد وفزعى يشتد من النبوءة السوداء، المهم ركبت الطائرة في الصباح، وجاء إلى جوارى رجل عجوز يرتدى ملابس كاملة وطربوش طويل وإلى يمينه عصا مثل عصا سيدنا موسى. عندما حلقت الطائرة في الجو منعت نفسى عن الحركة حتى لا تهتز الطائرة فنسقط جميعا ونموت.. 

 

وعندما جاءت المضيفة بالشاى رفضت تناوله فقد خيل لى أن أى حركة ستجعل الطائرة تميل بنا وننتهى جميعا فى حقل من حقول القمح.. وفجأة ارتفع صوت الميكروفون يعلن أن الطائرة فوق أسيوط، وفجأة اهتزت الطائرة بعنف ومالت، ثم هبطت كأنها تهوى إلى الأرض، فهتفت بذعر شديد: “يا خبر أسود الطيارة ستقع”. 

 

انتفض الرجل العجوز بجوارى كأنه لدغه عقرب، وهب واقفا مزمجرا وسب دينى ودين أجدادى ثم صفعنى بالقلم على وجهى، خفت أن أرد عليه حتى لا تقع بنا الطائرة، وانتقلت إلى مقعد آخر، وظللت مستقرا فيه كأننى تمثال الكاتب الجالس قرفصاء حتى وصلت الطائرة بسلام.

 

 

ظلت هذه التجربة تملأ نفسى بالرهبة والخوف والدهشة معا، فكيف تسنى للإنسان أن يخلق مثل هذه الآلة الجبارة التى تحملك كبساط الريح عبر المدن والقرى والحقول.. أهى حقيقة أم وهم أم حلم يقظة؟

الجريدة الرسمية