ساخرون، حكاوى زمان.. توفيق الحكيم يحكى قصة علقة ساخنة
فى كتاب أعده جمال الغيطانى بعنوان توفيق الحكيم يتذكر، قال الحكيم عن بعض ذكرياته: إنى عندما أجد اليوم كتب الأطفال الملونة بما فيها من قصص وأساطير دينية وتاريخية ومغامرات خيالية، عندما أجد فى متناول يد إبنى وقتما كان في السادسة أو السابعة من عمره قصص الأنبياء ملونة الرسوم في أسلوب لطيف وقصص الفراعنة واليونان والعرب، والإلياذة والأوديسا كلها، ومغامرات سويفت وروبنسون كروزو وغيرها من المطالعات الممتعة الواسعة الخيال السهلة التناول أغبط هذا الجيل.
بل إنى عندما أرى الروايات والقصص والمسرحيات يقرؤها الشباب دون رقابة أو اعتراض من أولياء الأمور، بل على العكس أصبحت قراءتها اليوم مما ينصحون به، ويدفعون إليها على اعتبار أنها مطالعات جدية محترمة، عندما أرى ذلك كله أغبط شباب هذا الجيل..
إنى كنت أختفى بمطالعاتى القصصية عن عيون أهلى كما لو كنت ارتكب وزرا من الأوزار، مع أنها في أغلبها كانت على مستوى جيد من التأليف والترجمة.. كنت أتسلل حاملا الكتب لأقرأها تحت سريرى، وكان السرير مفروشا بملاءة تتدلى أطرافها تحت الأرض حاجبة من يختفى تحته فلا يرانى أحد..
لكن تلك الملاءة كانت تحجب النور عنى، لكنى كنت أقرأ في الظلام حتى أعجز عن تمييز الأسطر، فأحضر شمعة أشعلها وأقرأ على ضوئها، هكذا كانت تسير الأمور، إلى أن حدث يوما أن جاء موعد الغداء وظلوا ينادوننى وأنا مستغرق في قراءتى، وفجأة فطنت إلى ندائهم فخرجت من تحت السرير مهرولا تاركا الشمعة موقدة، وفجأة صاح الجيران: حريقة.. حريقة.
فارتاعت والدتى وهمت تبحث مع الجيران، فأجلسها والدى لاطمئنانه إلى أنه ليس هناك ما يخيف. وبعد لحظة طرق الجيران بابنا قائلين عندكم حريقة، هنا نهض أهلى يبحثون عن مصدر الحريق، وإذا الحجرة التى أنام فيها يتصاعد منها الأدخنة، وظل الجميع يقاومون النيران حتى أُطفئت، إلا أن والدى ظل يبحث عن مصدر هذا الحريق ويسأل ويتحرى وأنا ساكت منكمش لا أنطق بحرف واحد، وكانت النتيجة فى النهاية علقة ساخنة.