الصالونات الثقافية.. ودورها المجتمعى
الصالونات الثقافية تقام فعالياتها هنا وهناك، وأحيانا نشعر معها أن هناك حراكا ثقافيا في المجتمع، في الوقت الذى يتراجع فيه دور وزارة الثقافة، وهنا طرحنا سؤالا على عدد من المهتمين بالشأن الثقافى، ما أهمية الصالونات الثقافية.. ودورها المجتمعى؟
يقول المؤرخ والروائى الدكتورمحمد عفيفى: الصالونات الثقافية تعد شيئا مهما فى الحياة بشكل عام، وتعتبر ظاهرة للمثقف الحديث، فهى مظهر للتقدم، ويعد من أهم مقاييس النجاح لهذه الفاعليات الثقافية، هو الاستمرارية، على سبيل المثال في فرنسا حول السوربون مقاهى وكافيهات، تعد من أهم بؤر الثقافة والحوارات الجادة..
وقد تم عمل دراسات عنها في فرنسا، فهناك كافيهات كان يجتمع فيها المؤرخون اسبوعيا للحوار والنقاش في كافة القضايا المهمة والمتعلقة باهتماماتهم التاريخية، وبالتالى هذه الصالونات التى كانت تقام في المقاهى والكافيهات لها دورا مهما جدا..
ولكن افتقدت مثلا جامعة القاهرة منذ انشاءها هذا الزخم الذى كان يمكن أن يؤثر ايجابيا في الحياة الثقافية، وفي التاريخ القديم كان هناك مجالس السلاطين وما أشبه ما يمكن أن نطلق عليه صالون ثقافى مع مراعاة الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت..
أهم الصالونات الأدبية
ولكن الصالونات الادبية ظهرت مع الدولة المدنية الحديثة في أوروبا، وفي مصر أهم الصالونات لعبت فيها المرأة دورا مهما، الأول كان صالون الأميرة نازلي فاضل -نازلي بنت مصطفى فاضل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا (1853 - 1914) أميرة من الأسرة العلوية– هذا الصالون كان يجتمع فيه الإمام محمد عبده، سعد زغلول، صفية مصطفى باشا فهمى التى تزوجت بعد ذلك سعد زغلول، كان فيه طلعت حرب، قاسم أمين وغيرهم..
أما الصالون الثانى فقد كان أيضا لسيدة وهى مى زيادة الشامية التى عاشت في مصر، وكان من رواد صالونها معظم مفكرى مصر وهم العقاد، وطه حسين، محمد حسين هيكل.. وغيرهم، بل إن العقاد أخذ فكرة الصالون منها، وأقام صالون العقاد فيما بعد، والتجارب كثيرة ولكن الأن واضح التراجع في دور هذه الصالونات.
أما الدكتور خيرى دومة فيقول: الصالونات ظاهرة قديمة، فإجتماع المثقفين الدائم يسهم في إزدهار الثقافة فهى أحد سمات العالم المدنى الحديث المتقدم، وليس غريبا أن نقول إن التغيرات الكبرى، تأتى من التجمعات التى تبدأ صغيرة، خاصة في المجتمعات التى تمنع التجمعات..
وبالتالى فهى لها دور اجتماعى مهم، لمناقشة الأفكار وتبادل الأراء، ولا يمكن أن يكون هناك حركة في مجتمع إلا بهذه التجمعات في النصف القرن الماضى من خلال التجمعات الصغيرة، ظهرت حركة مصر الفتاة، والإخوان المسلمين، ونشوء القصة القصيرة، ودور يحيى حقى في المجلة، ومحمود تيمور، ومحمود طاهر لاشين، وجماعة ابواللو وتأثيرها بعد ذلك..
التغيير يبدأ دائما من مجموعة صغيرة، والتى قد يصدر منهم بيان يعبر عن أفكارهم فيما بعد، فالصالون ظاهرة تجمع بين السياسة والثقافة، وفى الستينات قادت الثقافة السياسة والمجتمع، لذا علينا بنشر التفاؤل بتلك التجمعات التى قد ينتج عنها افكارا تساهم في تغيير المجتمع، لآن أى تجمعات شىء إيجابى.
الثقافة الشفهية
وأشارت الدكتورة هالة فؤاد إلى أن العصور الوسطى الاسلامية كان هناك مجالس، وكان هناك "النديم" للملك، المتنبي كان نديما لكافور الاخشيدى، التوحيدى، ابن المقفع، ولكن الثورة الحقيقية بدأت مع ثورة 19، وربما مع ثورة أحمد عرابى، حيث كانت هذه الفترة حقبة استثنائية في تاريخ مصر في كافة المجالات..
حتى وصلت إلى الضباط الأحرار الثقافة الليبرالية، ولو عدنا إلى العشرينات ونظرنا إلى مدى التفاعل الثقافى وردود الافعال، فمثلا إسماعيل أدهم كتب مقالا بعنوان: لماذا أنا ملحد؟ ورد عليه محمد فريد وجدى، دون أن يكفر أحدهم، ومن يصدق أن العقاد وطه حسين والمازنى كانوا فى صالون ثقافى وهو صالون مى زيادة؟
وتؤكد الدكتورة هالة فؤاد على خوفها أن صالونات هذه الأيام ترسخ الثقافة الشفهية، وهذا تدمير لفكرة الكتابة، لذا علينا إستعادة الروح لآن هويتنا يتم طمسها، فعلينا القراءة لطه حسين، ومصطفى عبدالرازق، وعلى عبدالرازق وغيرهم..
نعم.. المناخ يعادى الجدية ولكن لابد أن نكون جادين، وعلينا أن نسأل مذا حدث للمثقفيين مع الأنظمة السياسية؟ ومعروف أن خفة الدم أموره تسير أكثر، ولكن هذا لا يمنع أن هناك مثقفين مهمومين بجد، بالرغم أن بعض الصالونات تقدم انتاج غث لانها بهذا تقدم للمجتمع نموذج المثقف المشوه! أين دور الدولة؟ لاشىء يذكر على الاطلاق.