رأس الحكمة والاستخفاف وقت الجد!
مثل كثيرين تعجبنى الكتابة الساخرة ولكننى لا أقبل بالاستخفاف خاصة وقت الجد.. ومؤخرا تناول البعض على مواقع التواصل الاجتماعى بالاستخفاف مشروع رأس الحكمة -الذى تم توقيع اتفاقه، وننتظر طبقا لهذا الاتفاق تحويل عشرة مليارات دولار فى غضون الأيام القليلة القادمة- وهذا أمر غير مستساغ وغير مقبول..
خاصة وأننا إزاء إتفاق ليس عاديا أو حدث من قبل في تاريخ الإستثمار الأجنبي في مصر، فضلا عن أنه إتفاق يكتفى بالطابع السياسى أيضا بمشاركة الحكومة الاماراتية فيه، وموافقتها على استبدال 11 مليار دولار ودائع لها لدى البنك المركزى المصرى بالجنيه، واستخدامها في تمويل المشروع، وهو ما يعنى شطبها من الديون الخارجية المصرية وتخفيف أعباء هذه الديون العام الحالى.
لقد تناولت هذا المشروع فور الإعلان عنه وفى ذات يوم توقيع اتفاقه هنا فى عمودى هذا، وتناولته أيضا في مقالى بمجلة المصور، وطرحت كل الأسئلة التى أثارها الناس حوله، والتى تحتاج إجابات وافية وكاملة من الحكومة عليها.. ولكن أن يتم تناول الأمر باستخفاف فهذا أمر لا أراه مستساغا.. فهكذا لا تكون المعارضة.
ومع ذلك فإننى لا أستطيع أن أغض الطرف عما أثاره بعض الذين انخرطوا في هذا الاستخفاف بخصوص احتمال أن تبيع الشركة الإمارتية مستقبلا هذا المشروع في أى مرحلة فيه لمستثمر أو مستثمرين صهاينة في ظل تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.
وابتداء أقول أن الاحتمال أن يبيع أى مستثمر أجنبي مشروعه الذى اقامه في مصر هو إحتمال قائم وغير مستبعد.. وآخر مثال على ذلك هو بيع شركة فودافون العالمية حصتها في شركة مصر إلى شركة جنوب افريقيا، وبيع شركة إينى الإيطالية نسبة من حصتها لشركة روسية في حقل ظهر..
وأظن أننا ندرك هذا ونحن نحاول تشجيع الاستثمارات الاجنبية لإننا في حاجة إليها لعدم كفاية الاستثمارات المحلية.. ونحن نتعاون منذ سنوات مع شركات كبيرة عالمية خاصة في مجال البترول والغاز تتعامل مع إسرائيل، ومنها شركة إينى أيضا.
أما بالنسبة لرأس الحكمة فإن الشركة الإماراتية لا أعتقد أنها تفكر في بيع هذا المشروع لأحد قبل أن تسترد ما ستدفعه من أموال في تنفيذه وتحقيق أرباح أيضا.. ثم إن مشاركة مصر في الأرباح تعنى مشاركتها في المشروع وعندما ستقوم الشركة الإمارتية ببيع حصتها أو جزءا منها فإنه سيكون من حق الشريك المصرى وقتها شراء تلك الحصة إذا لم يعجبنا الذين تقدموا لشراء حصة الشركة الاماراتية.
ولذلك الأولى من طرح تلك المخاوف فلتطرح الأسئلة الأخرى التى تتعلق بهذا المشروع، وأهمها كيف ستتصرف الحكومة في مبلغ الأربعة والعشرين مليار دولار التى ستحصل عليها خلال شهرين وكيف يسهم ذلك في تخفيف حدة الغلاء القاسى الذى يعانى منه الناس، وأظن أن ذلك أجدى من الاستخفاف المستهجن.