الحوادث.. ابتلاء أم عقاب؟!
إذا وقع لك حادث فاعلم أنه قد يكون إنذارًا لك، وإعلامًا بقدرة الله عليك؛ فتحمد الله على ما منَّ به من كونه لم يزد عما كان عليه، وترجع وتتوب من قريب، وقد يكون ذلك ابتلاء لك وامتحانًا؛ لترتفع درجتك عند الله بصبرك على ما يصيبك، وقد يكون لغير ذلك من الحكم، أو قد يكون لكل هذه العوامل مجتمعة.
ورغم أن كل ما يقع للناس من خير وشر في حياتهم هو قدر الله الذي لا رادّ لقضائه؛ وكل ما يقدره الله ويقضيه من حوادث وأحداث، إنما يقدره لما له فيه من حكمة عظيمة تخفى على كثير منا؛ فقد تكون إنذارًا أو رسالة من الله يجب أن تقرأها بعناية واهتمام لتستخلص منها عبرة ودرسًا تصلح به شأنك وتستقبل به ما بقى من عمرك.
وكل امرئ على نفسه بصير، يدرك من داخله إن كان ما أصابه ابتلاء أم عقاب؛ فإن كان على معصية فليعلم أن الحادث تنبيه خطير وفرصة ثانية أعطاها الله له مهلة ليراجع نفسه ويصلح من شأنه مع الله ومع الناس ومع الكون من حوله.
قضاء الله
ومن وقع له حادثٌ أو أصابه مرض وهو على حال طيبة مع الله، فعليه أن يتلقى ذلك بالصبر، والتسليم، والرضا، والاحتساب، وأن يعلم أن قضاء الله له خير، وأن له العاقبة الحميدة على صبره، وأنه عسى أن يكره الشيء ويكون هو محض الخير له، كما قال تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة:216).
وفي كل الأحوال فإن جميع ما يحصل في الكون من خير أو شر قد سبق به علم الله تعالى وجرى به القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق، كما قال تعالى: “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا” {التوبة:51}..وقال سبحانه: “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ” {التغابن:11}..وقال عز وجل: “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” {القمر:49}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. رواه مسلم.
كما أنه لا تعارض بين كون الحوادث التي تصيب العبد بقضاء الله وقدره، وبين كونها قد تكون بسبب تقصيره وعدم أخذه بأسباب السلامة، فإن ذلك نفسه بقضاء الله تعالى وقدره، فالله تعالى هو الذي خلق الأشياء وأسبابها وقرن بينهما بحكمته سبحانه..
أما الحكمة من وراء هذه الحوادث، فهي كسائر أنواع البلاء تارة يكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، وتارة يكون لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، وتارة يقع لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض ذنوبه، فراجع نفسك لتعلم أين موقعك بين هذه الأصناف.. وتدبر حالك وتلقف الفرصة وراجع نفسك واغتنم الفرصة قبل فوات الأوان!