سر الشقة رقم ٦ وحكاية الشبح المجهول!
كانت الليلة أكثر هدوءًا بضواحي الجيزة العريقة، الجميع نائمون في بيوتهم، والحياة تمضي بنعومة، حتى تصاعدت تلك الأصوات المرعبة من أحد المباني الأثرية فجأة!
عقارب الساعة كانت تشير إلى الرابعة فجرًا، بعضهم استيقظ استعدادًا لصلاة الفجر، ليل عادي جدًا لا ينبئ بمفاجأت ثقيلة الدم تعكر صفو السُكان الراقدين وراء جدران بيوتهم آمنين، لكن يبدو أنه كان هدوءًا مخادعًا كالذي يسبق العاصفة، إذ استيقظ الأهالي على صراخ يشق صمت الليل المطبق، يأتي من داخل مبنى قديم عتيق بُني أيام الإنجليز.
هرول الناس في فزع إلى المبنى الذي يرتج صراخًا، وحينما وصلوا اختفى الصوت وعاد الليل بسكونه الممل كأن شيئًا لم يكن، لم يتمالك الأهالي أنفسهم من الدهشة، وعندما همَّوا بالانصراف والعودة من حيث أتوا، ضرب الصراخ هذه المرة أعماق قلوبهم كيوم الفزع الأكبر..
فهرعوا في ذعر تجاه الصوت المدوي، وعندما اقتربوا وجدوه يصدر من الطابق السادس بالمبنى، لم ينتظروا المصعد وقفزوا على السلالم ليتوقفوا أمام الشقة رقم (6)، لكنهم وجدوا بابها مغلقًا، فاقترح أحدهم كسره، وما أن فعلوا حتى بدأت حلقات الخوف.
جثة لرجل في الخمسينيات من عمره ملقاة على الأرض، وبها آثار طعنات نافذة في ناحية القلب والصدر، دماء تلطخ كل أرجاء المكان وتتناثر على الحوائط والأرضية. وفي دقائق معدودة وصلت أجهزة الأمن إلى مسرح الجريمة التي وقعت في نطاق مسكن وزير الداخلية في ذلك الوقت، والذي وصل إليه الخبر وانزعج من خوف الناس في وقت شديد الحساسية بعد أحداث يناير من عام 2011 وأمر بطمئنتهم بتشكيل فريق بحث على أعلى مستوى.
حل لغز الجريمة
لم يكن هناك شهود على الجريمة، والأغرب أن رجال الأدلة الجنائية وجدوا الباب مغلقًا من الداخل، وليست به آثار كسر أو محاولة دخول بالقوة، ما يشير إلى أن القاتل كان يعرف الضحية ويتردد عليه.
بدأت أجهزة المباحث التحقيق في الجريمة، وبتضييق البحث سُلِّط الضوء على اثنين من المشتبه بهم، أولهما الجار الذي أبلغ عن الجريمة، إذا كانت بينه وبين المجني عليه خلافات مالية، ما يرجح وجود دوافع لديه للتخلص منه.
المشتبه به الثاني، كهل على مشارف الستين، كان يجاور القتيل في السكن، وبينهما عداوة مستحكمة، بالإضافة إلى سجل جنائي حافل بالإجرام يضعه على رأس قائمة المشتبه بهم.
مع ذلك، وعلى الرغم من هذا، لم تستطع الشرطة العثور على أدلة كافية لإدانة أيٍ منهما، وظلت الجريمة دون حل، واضطرت النيابة إلى حفظها، لكنها لم تنته بالنسبة إلى الأهالي الذين نسجوا حولها الحكايات والأساطير التي وجدت في دماء القتيل ومنظر جثته ما يروجها.
أحد قيادات الإدارة العامة لمباحث الجيزة، رجَّح أن القاتل يخرج عن دائرة المشتبه بهم التقليدية، مؤكدا أن سرًا خطيرًا بين القتيل وقاتله خشي الأخير افتضاحه فأقدم على جريمته، وهو السر الذي يقف وراء الجريمة ساخرًا من كل محاولات البحث التي لم تأت بأدلة دامغة، كون المجرم بارعًا في إخفاء جريمته، فلم يترك وراءه أي أثر.
في النهاية قيّدت القضية ضد مجهول، ما منحها سطوة أسطورية أكبر على نفوس الأهالي، وجعل سر الشقة رقم (6) يتحول مع الوقت إلى قصة مخيفة وسيرة مقبضة للقلوب، خاصة أن الأصوات المرعبة عادت مرة أخرى لتثير الرعب بين الجيران الذين كانوا يلجأون للوزير بعد خروجه من الوزارة.
لكن بعد مرور ثلاث سنوات على تلك الجريمة، ينجح رجال المباحث في حل لغز تلك القضية.
والحكاية أن صاحب العقار كان يعيش في الخارج، وتوفي بعد أزمة مالية طاحنة، فلم يجد ابنه مفرًا من العودة إلى مصر، قبل أن يجد ضالته في هدم المنزل وبناء برج مكانه، يعوِّض به خسارة والده، لكنه فشل في إقناع أول ساكن بالمغادرة، فقتله، وبعد انتشار الأساطير عن المبنى، غادره السكان الآخرون تباعا، فقرر الابن هدمه واستخراج تصاريح بالبناء.
وذات يوم وهو يجلس مع أحد أصدقائه، أفرط في تناول المسكرات والمخدرات فخف لسانه وخانه ذكاؤه واعترف بكل شيء، ولم يصدق الصديق هول ما سمع، فهرع إلى رجال المباحث وقص عليهم الواقعة، وبالقبض على المتهم ومواجهته باعتراف صديقه، إنهار وحكى كل شيء.
فمهما ظن المجرم انه أفلت بفعلته، لا بد أن يأتي أوان السداد وتأخذ العدالة مجراها خاصة في جرائم الدم، لعل الآخرين يتعظون، ويفكرون في مغبة أفعالهم قبل فوات الأوان.