استغفر الله العظيم
أقرر مقدما إني لست ضد عمل الخير، ولست ضد مبدأ التكافل، ولست ضد العمل الخيري والتطوعي وجمع التبرعات، بشتى أشكاله وألوانه وأنواعه.. في ذات الوقت أسجل كذلك إني ضد حالة الغياب الخطيرة التي تلتزم بها العديد من الجهات الرقابية والمعنية، في مواجهة المساعي التي أراها واضحة لتفعيل التداخل مع المواطنين، وخاصة في ريف مصر تحت ستار الدين!
التستر بالدين، في الفترة الأخيرة بدأ يتخذ أشكالا تدعو للاستغراب، وعبر وسائل الإعلام وتحديدا التليفزيون وعبر مواقع السويشال ميديا، ومن خلال إعلانات مدفوعة وبرامج تليفزيونية منتجة على نفقة الجهات التي تدعو لجمع التبرعات، ما يدعو للسؤال الكبير والمهم..
كيف ومن أين لجمعية اجتماعية أو جهة تدعو لعمل الخير والتبرع الإنفاق على تصوير وإنتاج الإعلانات الداعية للتبرع، بصور تكاد متكررة ومتطابقة من أعداد ليست بالقليلة من جمعيات تتزايد يوما بعد يوم، ويتصدر كل هذه الإعلانات المدفوعة دعاة ومشايخ مشاهير ومجاهيل يروجون لدعاواهم لدفع الناس على التبرع بأحاديث وآيات قرآنية وتبدو وكأنها صكوك للدخول الى الجنة!
صيحة تحذير
ولندخل إلى القصة التي أريد لها تحقيق وتمحيص من كل من يهمه الأمر في هذا البلد، فقد شاءت الصدف أن ألاحظ خلال الأشهر الماضية، تزايد ما يعرف بالبرامج المشتراة أو المهداة، التي تعرض يوميا على شاشات القنوات المحلية وكلها تتخذ الدين مدخلا لمخاطبة مشاهديها ومطالبتهم بالتبرع والمساهمة في مشروعات خدمية منوعة أملا في دخول الجنة في الآخرة!
هذه النوعية من البرامج متشابهة في مكوناتها وطريقة تنفيذها، ففي كل حلقة نشاهد لقاء حواريا، يتم خلاله استضافة أحد المتحدثين، يختار مدخله في الحديث للمشاهدين من الهدف من التبرع الذى يدعو اليه البرنامج، ويعدد الفوائد والمكاسب الدنيوية والأخروية من التبرع والمساهمة فيما يدعو اليه البرنامج!
الأمر الأكثر إثارة للاستغراب.. الطعن غير المباشر الذي توجهه هذه البرامج للجهود التي تقوم بها الدولة والحكومة لرفع مستوى معيشة المواطنين وخاصة في المناطق البعيدة عن العمران، والمناطق الريفية وأبرزها مشروع حياة كريمة الذي خصصت لها الدولة عدة مئات من المليارات من الجنيهات خصص منها الجانب الأكبر وتم إنجاز عدة مراحل منها.
فبينما يتم هذا الإنجاز على الأرض.. نري في هذه البرامج صورا لمتجمعات سكنية وبشرية، تعاني عدم وجود مياه نقية أو كهرباء، أو بيوت مجهز للعيشة الآدمية!
يا جماعة الخير.. أكرر إني أشجع وبشدة التكافل والعمل الخيري والتطوعي وكل ما من شأنه رفعة المجتمع، وإيقاظ كافة فاعلياته، ولكني أحذر من عودة زمن تقاسمت فيه جماعات تسعي للقفز على كراسي الحكم تحت ستار الدين، ووصولا لهدفها تتوغل وتتمترس في الأماكن التي تعاني ضعفا حكوميا، ضعفا في الخدمات والاساسيات التي يتعين على الدولة ان توفر الحد الأدنى منها للناس..
وكلنا يذكر وبمنتهي الأسي تلك الأيام التي سادت فيها جماعة الشر المسماة بالإخوان المسلمين، مناطق عدة في محافظات مختلفة، وقدمت نفسها بديلا عن الدولة أحيانا وممثلة للمولي عز وجل أحيانا أخرى!
البرامج المدفوعة لا يتوقف خطرها على استغلال الدين في مخاطبة الناس وبإعلانات مدفوعة، البرامج المدفوعة باتت ظاهرة خطرة على المجتمع من نواح متعددة، خاصة وأن الجهات والكيانات التي تتخذها نمطا وأسلوبا بدأت تتوسع يوما بعد يوم وتنوعت لتشمل تجمعات فئوية ومهنية، وبدأت بإنتاج برامج ترويجية وتسويقية مختلفة (أطباء تخسيس ـ متخصصين تجميل ـ صيادلة ـ مطورين عقاريين ـ مستوردي وبائعي أدوية ومستحضرات طبية.. ألخ).
أضيف الى ما أريد أن اصرخ به لأقول.. يا جماعة الخير.. يا كل مسئول عن صحة المجتمع في هذا البلد.. استيقظ انتبه.. لقد تكبدنا خسائر لا أول لها ولا أخر، بعدما تساهلنا وأهملنا وربما ساعدنا على ترك قطاعات ومناطق عدة من هذا الوطن تعبث بها جماعات وكيانات تتستر تحت شعار الدين!
وختاما أنا لا أوجه أية إتهامات بقدر ما أحذر وأنبه وأرجو من كل صاحب اختصاص أن يعمل واجبه، وأن يراجع ويدقق وراء أي كيان من هذه الكيانات التي تنفق أموالا مسبقة على برامج تليفزيونية ينتظر أن يعوض من وراءها ما أنفقه ويجني مكاسب مالية.. رغم أن هذه الجمعيات والكيانات ممنوعة بحكم القانون من مزاولة الأنشطة الربحية أو التي يخشى معها من تحقيق خسائر!