حرب الصورة
الصورة باتت أداة مهمة في الحروب والنزاعات المسلحة.. الصورة باتت أداة ترويجية لمن يملك فنون وأدوات هذه الصناعة.. الصورة التي أقصدها هي الصورة التليفزيونية المتحركة.. الصورة التلفزيونية التي أعنيها، هي الصورة المعبرة عن نتائج الحرب الغاشمة التي يديرها جيش دولة الكيان الغاصب على قطاع غزة منذ أكثر من أربعة شهور.
الصورة كانت حاضرة منذ اليوم الأول لنشوب الجولة الحالية من الصراع المسلح بين جيش الاحتلال الإسرائيلي، ففي اعقاب وقوع أحداث السابع من أكتوبر الماضي، تبين وبشكل واضح أن قوي المقاومة الفلسطينية كانت حريصة على تصوير وتوثيق كل تفصيلة من تفاصيل عملية إختراق حدود منطقة غلاف غزة، التي خططتها ونفذتها فصائل تابعة للمقاومة الفلسطينية..
وبصور مختارة بعناية صاغت المقاومة الفلسطينية الموقف كما أرادت إعلانه ليس للرأي العام في إسرائيل أو في الأراضي العربية المحتلة، فحسب، بل للرأي العام العالمي.
وبات واضحا منذ ذلك اليوم، أن هناك ضمن كوادر المقاومة الفلسطينية صناعا محترفين للصورة التليفزيونية، إلى جوار القادة المقاومين العسكريين الميدانيين، ووضح أن هناك تناغم بين أولئك وهؤلاء.. أكثر من هذا ففي بعض الأحيان تجاوز تأثير الصورة وصناعتها بإحكام ذلك التأثير الذى أحدثه عمل عسكري للمقاومة هناك أو هناك.
ورغم بعض التجاوزات التي حدثت نتيجة ترويج صور تعامل بعض أفراد المقاومة مع بعض النساء والأطفال الإسرائيليين خلال هجوم يوم السابع من أكتوبر على الداخل الإسرائيلي، فإن التأثير الأكبر للصورة، أضيف لصالح المقاومة الفلسطينية التي نجحت فيما عرضته وروجته من صور في أحداث هزة قوية في الداخل الإسرائيلي..
ثوثيق جرائم الاحتلال
ونجحت في كشف القصور الاستخباراتي والعسكري ما أحدث خلافات حادة في المؤسسات الإسرائيلية الحاكمة، وكانت الرسالة الأهم التي حرصت المقاومة التأكيد عليها، هي أن مقاوميها وبإمكانيات، تبدو بدائية، نجحوا في تجاوز الفجوة التكنولوجية الضخمة التي كان تباهي بها دولة الكيان الغاصب..
فقد وثقت الصور التي بثتها قوي المقاومة كيفية استخدام أدوات بدائية في احداث فتحات في الجدار العازل الذى أقامته دولة الكيان الغاصب للفصل بين الأراضي التي يسكنها الفلسطينيون وبين الأراضي التي سلبتها، ذلك الجدار الذى تكلف مئات الملايين من الدولارات وتم تجهيزه بأدوات تكنولوجية ودوائر تليفزيونية تمنع اختراقه!
وثقت الصور أيضا استخدام طائرات شراعية بدائية تحمل دراجات نارية يستقلها مقاومون، في إختراق الداخل الإسرائيلي دون أن ترصده أو تمنعه القدرات الفائقة التي تملكها دولة الكيان الغاصب لمراقبة مجالها الجوي ومحيطها من كافة الجوانب.
على الجانب الآخر، كان لصور العمليات العسكرية التي بثتها قوي المقاومة لعملياتها العسكرية، تأثير كبير على القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وبات جميعهم محملين بمشاعر مضاعفة للثأر والتنكيل بالمقاومين وبالشعب الفلسطيني على حد سواء، وجلهم كان، ولازال، حريصا على المبالغة في رد فعله تجاه الهجمات التي قام المقاومون محاكاة للداخل الإسرائيلي الذي اصابته تلك الهجمات بالرعب وعدم الأمان.
أيضا.. الصور التي بثتها المقاومة الفلسطينية كانت من بين عوامل أخرى أسهمت في مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول العالم وخاصة الدول الغربية في إبداء التعاطف والمساندة الكاملة مع دولة الكيان الغاصب وشعبها، في مواجهة الفلسطينيين، وتوالي الدعم المنوع على إسرائيل من كل صوب وحدب.
استخدام الصورة كان حاضرا أيضا مع بدء الحرب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة، فقد حرصت المقاومة الفلسطينية على توثيق عمليات الاستهداف للضباط والجنود والمعدات المشاركين في الحرب على غزة، ما شكل ضغوطا إضافية على القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين من الداخل الإسرائيلي..
خاصة وأن الصور التي تبثها المقاومة أكدت أنها ومقاوميها قادرون على مواجهة جيش الاحتلال المصنف في مكانة متقدمة عالميا، من حيث التسليح والكفاءة القتالية، المقاومة كذلك أجبرت جيش الاحتلال على الإعلان عن العدد الحقيقي لضحاياه ومصابيه خلال العمليات العسكرية الجارية بغزة.
الحادث أن أحداث السابع من أكتوبر وكذا الحرب على غزة، أعادت للواجهة من جديد القضية الفلسطينية التي كادت أن تموت وسط انغماس العالم في قضايا وأمور أخرى.
وفى المجمل.. فإنه يمكن القول إنه لا تزال هناك جولات أخرى في مرحلة استخدام الصورة في الحروب والصراعات المسلحة.