ساخرون.. حكاوي زمان، مصطفى أمين يكتب عن غرور الأغبياء
في جريد الأخبار عام 1985 وتحت عمود فكرة كتب الكاتب الصحفى مصطفى أمين مقالا قال فيه: الغرور مرض قاتل يحول الأذكياء إلى أغبياء، ويحول الدهاة إلى بهلوانات، رجال كبار عرفتهم قتلهم الغرور، وقضى عليهم انتفاخهم، وتوهموا أنهم أذكى الناس، وهم أغبى الناس.
بعض الجهلاء يدعون أنهم حملة الدكتوراه بينما هم لم يدخلوا جامعة، ولم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة، لكن غرورهم أعماهم وجعلهم أشبه بالبالونات المملوءة بالهواء، وشكة الدبوس تمزقهم ويصبحون هواء.
قابلت عباقرة متواضعين، يتظاهرون بالغباء، وهم أذكى الأذكياء، ويوهمون الأغبياء أنهم يجهلون ما يجرى، بينما هم يعرفون كل شيء، ويتظاهرون بأنهم يتسولون النصيحة ليعرفوا طريقهم إلى النجاح، بينما هم بدهائهم وذكائهم وعبقريتهم يعرفون دبة النملة وكل ما يجرى تحت الأرض من أحداث جسام، وهم بتواضعهم هذا يخدعون الناس فتنكسر خناجرهم وتتحطم سيوفهم ويخسرون كل معركة.
أعرف رئيس وزراء سابق كان متوسط الذكاء، ولكن غروره حوله إلى أغبى الأغبياء، كان يرفض أن يستشير أحدًا، أو أن يسأل عما لا يعرفه، فهو يعرف كل شيء ويفهم كل شيء، ويطلع على الخبايا والأسرار -أبو العريف- بينما هو لا يعرف ما يجرى تحت ذقنه من أحداث جسام، وكان أنصاره يعتمدون على غروره ويوهمونه أنه أذكى رجل فى العالم، وكان يصدقهم ويرتكب الحماقات، بينما يعتقد رئيس الوزراء العبيط أنه أذكى الأذكياء، وأنه يقف مع ونستون تشرشل وفرانكلين روزفلت وستالين فى صف واحد.
كان الطريق إلى قلبه هو أن يوهمه المتحدث إليه أنه ذكى وعبقرى وداهية، فإذا قال كلمة تافهة صفقوا له وادعوا أنها كلمة مأثورة، وإذا فكر فى فكرة غبية أوهموه أنها منتهى العبقرية، وإذا ألقى خطابا غبيا أشادوا بالدرر الثمينة والعبقرية الفذة، وقالوا له إنه لم يفهم هذا الخطاب الثمين إلا ثلاثة فى مصر، هم إسماعيل صدقى وعبد الحميد بدوى ومكرم عبيد.. أما باقى الشعب المصرى الجاهل فلم يفهم الحكم الغالية والبلاغة العظيمة والفلسفة الهائلة.
ولا يجرؤ أحد أن يستوقف الرجل ويطلب إليه أن يكف عن هذه السذاجة والبلاهة والغرور، فالمغرور يعتقد أنه داهية القرن العشرين، والقرن الواحد والعشرين أيضًا والقرون القادمة.