آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز
درسٌ عظيمٌ تعلَّمناه عام 2011، رغم أن الثمنَ كان باهظًا، ولولا أن قيَّضَ الله لرئاسةِ مصر قائدًا مثل الرئيس عبد الفتاح السيسي، للبثنا في العذاب والتدهور والانهيار عقودًا، لا يعلم عددها إلا الله.
السيسي أنقذنا من دولةٍ عجوز، ولعل من أهمِّ أسباب سقوط دولة ما قبل 25 يناير في مصر؛ هى الشيخوخةُ.
شيخوخةُ النظام.. معظمُ الوزراء كانوا فوق الستين.. أكثر من وزيرٍ مضى عليه في كرسيِّه نحو عشرين عاما.. رأسُ الدولة نفسه كان قد ناهز على وجوده في الحكم ثلاثين عامًا.
الآن، نعاني بشدة من استمساك عدد لا يستهان به من القيادات الوسيطة، بمواقعهم في عدد من المؤسسات، والهيئات، والجمعيات، رغم أن بعضهم تجاوز الثمانين! متذرعين بأن تلك المناصب يجري شغلها بالانتخاب! وهم أبرع من "يطبخ" الانتخابات، ويجيد حصد الأصوات.. ولا عزاء للشباب ممن لا يجيدون ألاعيب الكبار، ودهاليز الفسدة!
كِبر السن، بقدر ما له من مزايا، على رأسها الحكمةُ، والخبرةُ، والحِنكةُ، والهدوءُ، والرزانةُ، بقدر ما له مساوئ، في مقدمتها الميلُ إلى معاداة الحوار، والديكتاتورية في اتخاذ القرارات، والعصبيةُ، والركونُ إلى الوداعة، وكراهيةُ أي جديد، ورفضُ التجديد، والوقوفُ ضد أي ابتكارٍ أو اختراعٍ يُشترط لنجاحه أو تطبيقه المغامرةُ.
كبارُ السنِّ يُصابون بالذعرِ من فكرةِ المغامرةِ.. وعلى النقيض فالشباب يعشقون المغامرة، ويتقنون كل جديد بسرعة كبيرة، بينما يحتاج الكبار إلى وقت هائل لاستيعاب المستحدثات؛ في العلم، وغيره.
الرسول وتمكين الشباب
الرسولُ، صلى الله عليه وآله وسلم، ضربَ أروعَ الأمثلةِ في تمكين الشباب، سعد بن معاذ كان سيد قومه، ولما يبلغ الثلاثين من عمره.. معاذ بن جبل كان موفد رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، إلى اليمن، قائدا وإماما ومعلما لأهلها، وهو في العشرينات من عمره.. أسامة بن زيد، جهزه النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ليكون قائدا لجيش عرمرم، وبين صفوفه، مرءوسين له، الصحابيان الكبيران؛ أبو بكرٍ، وعمرُ.. رضي الله تعالى عن صحابة سيدنا رسول الله، أجمعين.
أحمس قاهر الهكسوس
أحمس قاتَلَ الهكسوس وطردَهم، ثم طاردهم، وحرر مصر منهم، وهو دون العشرين.
أعظم ملوك الأرض قاطبة، تحتمس الثالث، حَكَمَ مصرَ وهو فتى يافعٌ، وبلغ أوْجَ مجدِه وهو في العِقد الثالث.
ويحكي لنا القرآنُ عن عزيز مصر، المُسِنّ، الذي تبنى يُوسف، عليه السلام، وكيف كان ألعوبةً في يد زوجته "زليخا"، فأصدر أوامره بسجن نبي الله، ظلما وعدوانا.
وفي وقتنا الراهن؛ نستمتع برؤية السقطات والهفوات المتوالية للرئيسِ الأمريكي العجوز، وهو يخطئ في أسماء البلدان، ويتعثرُ على سلالم الطائرة، ويسهو أثناء إلقاء خطاباته.. حدث هذا مرارا وتكرارا.
نموذج الرئيس الأمريكي تكررَ في أكثر من دولةٍ، وأكثر من إقليمٍ، حيث يحرصُ الملوك والرؤساء، كلَّ الحرصِ، على الكرسِيّ، ويلتصقون به، ويُصابون بالرعبِ من فكرة الانفصالِ عنه، لكنَّ الأبديةَ لا يمكن أن تكونَ لبشرٍ، والخلود لإنسانٍ وهمٌ كبيرٌ؛ "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ".
التفكيرُ العجوزُ أساسُ دولةِ العواجيز
العواجيز لا يصلحون لتصدر المشهد.. فالتفكيرُ العجوزُ هو العمودُ الفقري لدولة العواجيز.. والمُسِنّون عليهم أن يرضخوا لحكمِ الزمن، وأن يتراجعوا، بمحضِ إرادتهم، إلى الوراء خطوة، أو خطوتين.. ليتركوا الشبابَ في الصدارة، وفي مواقع اتخاذِ القرار.. وأن يكتفوا بمواقع الاستشارة.. وإسداء النصائح.. إمَّا أن يؤخذ بها، أو أن يتم تجاهلُها.
المسنون عليهم أن يقتنعوا بأنهم صاروا جزءًا من الماضي، ولم يعد لهم مكان في الحاضر، الذي يتسم بالسرعة، وعليهم أن يقضوا معظم الوقت، من ليلٍ أو نهارٍ، في عبادةِ ربِّهم، عسى أن يُحسن ختامَهم، ويغفرَ لهم خطاياهم، أو في استدعاء ذكرياتهم؛ السعيد منها والتعيس، والأحرى أن يدونوا تلك الذكريات، بصدقٍ وإخلاصٍ، لعلُّ الأجيالَ الشابةَ تستفيد منها.
أنا هنا لا أتحدث عن “عواجيز شداد مسعورين أكلوا بلدنا أكل”، بل أتحدثُ عن أسوياء، صالحين، لكنهم تخطوا العمرَ الافتراضي للتحكم والإدارة، وأصيبوا بالتكلس. أقول لهم: آن لكم أن ترحلوا.. من كلِّ هيئة، ومصلحةٍ، وإدارة، ومؤسسة، ومنظمة حكومية أو غير حكومية.. اتركوا الشباب يحكم، ويمارسُ دورَه.. لا تسمحوا لأنفسكم بأن تتحكموا في مصائر مرءوسيكم، فيُضطرُّ الشباب لأن يسكنَ في الطابقِ المسحورِ، الذي لا يتوقف عنده مصعدُ الحكم، على حد تعبير المفكر مصطفى الفقي.
السيسي وتمكين الشباب
تعلموا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تم في عهدِه تنظيم المؤتمر الوطني للشباب 8 مراتٍ منذ 2016، وعقد 4 منتديات لمنتدى شباب العالم منذ 2017.. واعتُبر 2016 عاما للشباب.. وحَرِصَ على تولي الشبابِ المسئوليةَ في العديد من المواقع النافذة، ويكفيه الإصرار على تجربة نواب الوزراء ونواب المحافظين من الشباب، بعد صقل خبراتهم، وتنمية معارفهم وتوسيع مداركهم، وتلقيهم أحدث فنون الإدارة في المراكز والمعاهد المتخصصة، والتي وفرتها لهم الرئاسة.
القيادة، والحكومة تعمل على تمكينِ الشباب، لكنَّ هناك من المناصب التي لا تخضع لإدارة الحكومة، مثلَ المؤسسات والجمعيات، والإدارات، التي تتبع عددًا من الوزارات.. رؤساؤها ومديروها يستمرون على كراسيهم مدى الحياةِ! وهم من جيلٍ مختلف، وفكرٍ مختلف، وعاداتٍ وتقاليدَ وأفكارٍ، وآراء أكلَ عليها الدهرُ وشرب!
يحدث هذا، في دولةٍ شابَّةٍ، 60٪ من سكانها تحت الخامسة والثلاثين.. هذا نقيضُ ما تسعى إليه القيادة السياسية.. وهذا دور الوزراء والمحافظين.
"آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز"، ورحِمَ اللهُ شاعرَ الزمنِ الجميل، عبد الرحمن الأبنودي.